عند المضي في رحلة تطوير الذات وتحقيق الأهداف يبرز تحدي يعترض طريقك، فكلما اصبحت أعلى شأنا وزادت ثقتك بنفسك وظهرت بين يديك نتائج جهودك، تجد مقاومة من المحيط وستنهال عليك الاتهامات بالغرور والنرجسية والكبر، وتجدهم يناصحوك (والله يعلم ما في قلوبهم) أن عليك بالتواضع، أن لا تنسى نفسك، فلا يدمر الناجح أكثر ما يدمره الغرور، وإن كان ذلك شيئا من الصحة، فكيف نميز الثقة بالنفس من الغرور وما علاقة التواضع بهما؟ توضح علوم تطوير الذات سواء في مجال تطوير الوعي أو الاعمال أهمية حب الإنسان لنفسه وتقديره لها وتركز على ضرورة شعور الانسان بالاستحقاق كونه عنصر أساسي لتحقيق أي تقدم مادي أو معنوي، فما علاقة ذلك بالغرور والكبر؟ وما علاقته بالتواضع؟ كيف نميز هذه الصفات التي تبدو متشابه في الظاهر أحداها أساس لكل نجاح والأخر يدمر كل ما يصنعه الإنسان ويجعله هباء منثورا.
مفتاح فهم هذه الصفات وقدرتنا على تمييز الصفات الجيدة في أنفسنا وتطويرها ومعالجة السيء منها هو فهم عدة جوانب، الأول نظرة الانسان لنفسه (صورته الذاتية) ويتبعها شعور الإنسان تجاه نفسه، الثاني نظرة الإنسان لغيره من حيث مقارنة نفسه بهم وشعوره تجاههم، والثالث كيف يتعامل الإنسان مع أقرانه ومن هم دونه، والاخير ماذا ينتظر أو يحتاج الإنسان من الأخرين تجاه نفسه.
في البداية لننظر ما هو التواضع وما علاقته بالثقة في النفس وحب الإنسان لنفسه وشعوره بالاستحقاق، التواضع يتعلق بكيف ينظر الإنسان لغيره من يراهم دونه وكيف يتعامل معهم، والمتواضع يعامل الأخرين بمحبه وتسامح ولا يشعرهم أنه يميز نفسه عنهم فلا يحرص على اظهار مكانته بين من هم دونه، ولا يحقر نفسه كذلك، فهو يعرف من هو ويعرف التقدير الذي يستحقه ولكنه لا يفرض ذلك على من حوله بالغطرسة والعنجهية بل يعاملهم بحب وتسامح ويشعرهم بأهميتهم ولا يقلل من شأن أي أنسان مهما كان وضعه الاجتماعي أو المادي، فالتواضع يعني أن نتمثل الإنسانية بمعناها الكامل حيث جميع البشر أخوة ولا فرق بينهم مهما اختلفت المناصب والألقاب والاديان والاعراق وغيرها من الاختلافات، التواضع لا يتعارض مع حب الإنسان لنفسه وتقديره لها، بل يزيد الانسان الواثق من نفسه الذي يعرف قدرها تواضعا بين الناس ويحترمه الناس بشكل تلقائي بسبب تقديره لنفسه وحبه وتقديره للآخرين بنفس الوقت، وأخيرا التواضع هو عكس الغرور.
قبل الحديث عن الغرور هنالك جانب أخر يجب الانتباه وهو نكران الذات او تحقير الذات وذلك لان البعض يخلط بينه وبين التواضع، نكران الذات أمر يقع بين الإنسان ونفسه فهو ينكر نفسه وينظر لها بالدونية ولا يعتبر نفسه مستحقا للحصول على المراتب الاجتماعية والمكتسبات المادية، فهذا الأمر لا علاقة له بالتواضع، حيث بينا أن التواضع هو يكمن في نظرة الإنسان للأخرين بمحبة وتسامح وتعامله معهم بذلك، بينما الإنسان المنكر لذاته يرفض التقدير من الأخرين ولا يقبل المدح ويدمر علاقته مع أقرانه بسبب سلبيته والمشكلة الأكبر أنه يلبس هذه الأفة ثوب الفضيلة، ومن الأمثلة على ذلك من يقدم اللين في غير موضعه فهو يظلم كلا الطرفين يحبط المتلقي ويولد غضب عند الشخص اللين فينفجر فيظلم نفسه ويظلم الطرف الآخر، وكذلك فهو يخفي المشاعر عن الآخرين ولا يعطيهم القدر الكافي من الانفعال فيقلل من ثقتهم به لأن الإنسان لا يثق بما لا يفهم، وكذلك يخلط البعض بين التواضع والطيبة ان جاز التعبير فلا يكفي أن تكون نواياك صافية تجاه الاخرين عليك أن تجتهد في فهم حاجاتهم والاهتمام بها فإن لم يشعروا بمحبتك فلا تتوقع محبتهم.
إذا ما هو الغرور أو الكبر وما يسمى بالإيغو، جميعها صفة لذات الحالة، والمفاجئة على عكس ما يظنه الغالبية فلإنسان المغرور لا يحب نفسه حقيقة بل إن أساس الغرور هو شعور الانسان بالعار اي أنه ينظر لنفسه نظرة دونية وشعوره تجاه نفسه سلبي، فهو لا يقتنع بنفسه ولا يراها كافية لتحقيق طموحاته، ولا يشعر بالاستقرار الداخلي، لذلك يصنع المغرور لنفسه صورة وهمية يظهرها للناس فمثلا هو يبالغ بالمظاهر المادية واللبس وغيرها والسبب في عدم إظهار صورته الحقيقية لأنه لا يحبها بل يخشى أن يرى الناس نفسه كما يراها في داخله، يغالي بقدراته وتكون لديه حاجة مفرطة للإعجاب والتأكيد من الأخرين، يسعى لتفريغ شعوره بالعار من خلال إسقاطه على الآخرين، يشعر بالدونية أو تقلص الحجم الاجتماعي، لذلك يسعى للإعادة نفخ نفسه بالحط من أشخاص آخرين أو اهانتهم، كذلك تأمين الشعور بالتفوق في مواجهة قدرات شخص آخر متفوق باستخدام الازدراء للتقليل من مكانة ذلك الشخص الآخر، واللجوء لاستغلال الآخرين دون اعتبار لمشاعر أو مصالحهم بل يستغل حاجاتهم ويحيط نفسه بمن هو أضعف منه ويستغلهم مقابل إعجابهم المصطنع به، شعوره بالخزي أو العار يتنج عنه عدم القدرة على معالجة عيوبه بطرق صحية، لا يتحمل النقد ويعتبره تعدي مباشر على شخصه، غلبا يجد صعوبة في الدخول بالعلاقات العاطفية وتجارب الحب والعشق
وأخيرا لكي يحقق الأنسان طموحاته المعنوية والمادية عليه أن يحب نفسه ويتقبلها كما هي ويؤمن بقدراته ويشعر أنه يستحق ما يطمح له، فكيف يكون ذلك، أنت من تحدد ما هي صورتك وتسعى دوما لتحقيق هذه الصورة فاذا كنت ترى نفسك عالما، أو رائد فضاء أو طبيبا أو شاعرا أو اي صورة تحبها لنفسك فلك ذلك وعليك العمل لتحقيق هذه الصورة، ولا تنتظر لتحقق مكانتك ثم تشعر أنك تستحقها، بل يجب أن تؤمن أنك تستحق المكانة والمحبة والتقدير قبل أن تخطو خطوة واحدة نحو هدفك، لست مضطرا أن تعلن شعورك تجاه نفسك للأخرين ذلك شأنك داخل نفسك، دعهم يكتشفوا من تكون من خلال تعاملهم معك وستتغير نظرتهم لك مع مرور الوقت، من يحب نفسه لا يخاف أن يواجه مواطن ضعفه بل يتقبلها لأنها جزء من نفسه ويتعامل مها بصدر رحب ويعمل دوما على تطوير نفسه فهو يعرف أن ضعفه هو أحد نقاط قوته ونقطة انطلاقه لتحقيق طموحاته
لكن كيف يختلف حب النفس والشعور بالاستحقاق عن الغرور والكبر، الفرق الأساسي هو أنك لا تخدع نفسك والأخرين وتصنع صورة وهمية لنفسك بل إنك تحب نفسك وتشعر انها تستحق وتؤمن بقدرتك وتعمل جاهدها لكي تحقق ذلك، وكذلك تقبل النقد البناء بصدر رحب، فتصحيح مسارك هو من مصلحتك فانت تحب نفسك لذلك تعمل على اصلاحها، والامر الاخر ان حبك لنفسك وشعورك بالاستحقاق يغنيك عن تأكيد الاخرين واعجابهم، فأنت مقتنع بنفسك ولا تنتظر من الأخرين تأكيد لصورتك الوهمية وإن حاول البعض الحط من قدرك فأنت لا تكترث لرأيهم ولا يعنيك ما يقوله عنك، وأيضا عندما تحب نفسك لست بحاجة لتقارن نفسك مع الأخرين، بل أنك تحب من يسبقك في تحقيق طموحك، لأنه يشعرك أن ما تطمح له ممكن، واما من هم دونك فلا تشعر تجاههم بالازدراء لأنك مقتنع بنفسك ولا تراهم أقل منك بل تحترمهم وتحبهم، وهم يقدروك لانهم يشعرون أنك تستحق التقدير.
وخلاصة القول إن التواضع أن تعامل الآخرين باحترام والكبر أن تشعر بالعار ولا تعترف بأخطائك فليس من التواضع أن تحقر نفسك، وأما الثقة بالنفس فهي أن تؤمن بإمكاناتك وتشعر أنك تستحق ما تتمنى الوصل إليه.