سؤال طالما راودني عن ما هو السبب الذي جعل المتسولين ..متسولين ؟ ومن مراقبتي لنفسي و بيتي وأولادي خرجت بمفهوم ثقافة التسول وكيف تنشأ بالتربية وكيف يكبر البشر وشعورهم بالحاجة يكبر معهم مهما علا شأنهم الاجتماعي أو المالي ... ببحثي و تصوري الخاص ؟
تبدأ ثقافة التسول من نعومة أظفارنا ونحن نكبر رويدا رويدا بين والدينا وعائلتنا ومن بعدها خارج بيوتنا لتمتد اخيرا لتصبح ثقافة وطن بأكمله ..
داخل البيوت أسر تبنى على أساس التسول بكافة انواعة واشكاله والتي تميزت بها ثقافة وطننا العربي وهي أشبه بالسم الذي يسري في الجسد وليس له أعراض تظهر تدريجيا انما يظهر الانهيار مباشرة كما هو حاصل الآن فجموع من المحتاجين لا يحتاجهم كون الله ..
فالام في البيت تتسول المشاعر والمال والاهتمام من زوجها مع موسيقى ظلم السنوات والصبر المزعوم التي يستمتع برنينها كل أفراد الأسرة ..
والأب يتسول في بيته مظاهر التبجيل والتقديس من الأبناء مضطرين لتقديمه لحاجة البقاء داخل تلك الجدران
والابناء يتسولون من بعضهم الاحترام الأكبر مع الأصغر والأصغر يتسول الاهتمام من الجميع ..و هكذا دواليك
لتعود الام لتبتز مشاعر ابنائها واستعطافهم لتلبية حاجاتها وطلباتها التي لا تنتهي أيضا بدعوى الحاجة للمساعدة وتسول العون ..حياة متسولين داخل الأسر .ونعود لناتي خارج المنزل ليصبح الشاب والفتاه من حيث لا يعلمون يتسولون مشاعر بعضهم البعض لتبدأ عملية البحث عن متبرع كريم أو متبرعة كريمة للمشاعر تغذي تلك الحاجات لتجر ورائها سلسلة من الخيبات وعذابات لا تنتهي من عدم الأكتفاء ..
تربية المحتاجين والفقراء لكل شيء من اهتمام و مال و طعام و أعمال ينتج جيلا من فقراء النفوس وفقراء العقول وفي كل شيء فهم لم يعرفوا الا الحاجة حتى الكون محتاج لتسولهم وما فيه لا يكفي أحد فتبدا عملية التسول والاستيلاء بكل الطرق لسد حاجاتهم مع تزيينها بمظاهر براقة وشعارات تؤجج القلوب او التسول بالعنف والتغالب في كل شيء في هذه الحياه وبسميات مختلفة وفي حقيقتها تسول خفي للنفوس البائسة والعقول التي افرغت و لا تعرف سوى النهم بسبب الندرة ..
فاللص متسول بكسر الأبواب
والمحتال متسول بأجمل ثياب ولسان
و اللص في الدولة متسول من منصبة من المال العام
والمرتشي متسول من وراء مكتبة
ومتدرب يتسول المجان
و المتسوقين يتسولون بنهم عروض التجار
و المومسات يتسولن الحب والمال من وراء اجسادهن
والقاتل يتسول الحياة من نفوس ضحاياه
و المحتاج يتسول بمساعدة محتاج أكثر منه
و الوطن يتسول المساعدات من خارج الوطن ...ليقيم جميعيات خيرية تدعم المتسولين وتزيد من اعدادهم بدلا من استثمار الطاقات و تعليم الأفراد آلية الإكتفاء الذاتية التي تعتمد عليه اولا واخيرا ...
وهذه نتيجة ذلك الجيل المتسول لكل شيء يمسك مناصب في الوطن ليحوله لمتسول على مستوى أكبر فبدلا من بناء المشاريع والتحفيز البناء للفقراء تكثر جمعيات باسم الخير لتزيد من عدد متسولين الوطن ..لنشر و تعزيز ثقافة الفقر والاحتياح التي ينتج عنها لا إراديا التسول ..فلو تمعنا قليلا لوجدنا ان نتيجة هذه الثقافة مديونيات عالية للوطن وعجز في الميزانيات السنوية دون خدمات تذكر فكيف لا ؟ فالمحتاج عندما يقع على نهر من الماء يعبئة في قواريره الخاصة خوفا من احتياج آخر يجتاح حياته ..فكان المثل الشعبي الشهير "خاف من جائع شبع " لانه في الحقيقة لم يشبع وحاجاته نابعة من ثقافة ترعرع عليها .
ليس الخلل في الاهتمام او الرغبة في التقدير او الانفاق او كل تلك الرغبات التي يشعر الانسان انه بحاجة لها ..بل الخلل في طريقة الحصول عليها وفي تعزيز ثقافة الحاجة والفقر في داخل الانسان دون وعي او لحظة تفكر عوضا عن ثقافة الاكتفاء والامتلاء الذاتي وتعزيز وتطوير القدرات الشخصية لنفع النفس و العمل .
وعوضا عن مساعي الاب للتبجيل والتقديس وطاعة أوامره من ابنائه يكون صديقا ودودا لهم يشاركهم افكارهم واحلامهم ويكن عونا لهم .
.فبدلا من طلب الام المساعدة من اولادها لانها متعبة أو العزف على لحن تحبني او لا تحبني ..تعمل على تعليمهم ان البيت شركة لجميع افراده و على كل تحمل مسؤولياته فيه والمحافظة على مظهره ونظافته والانتماء إليه هو عمل عظيم ينتج عنه أفراد مسؤولين يعرفوا جيدا دورهم في الحياه وان لهم قدرات تقدم في بناء وتعمير الارض ابتداء من بيوتهم الى بيتهم الكبير اوطانهم ..
من يقضي حياته متسولا بطرق أنيقة وبشعارات براقة في اوقات الصعاب لا يصعب عليه تسول المال ومد اليد للمارة لطلب المال فقد اعتادت نفسه البحث والاستجداء من الآخرين ..فلاشيء عليه جديد وإن كان أعلا شأنا بنظري من المتسولين الأكثر أناقة منه ببساطة لأن تسوله اعترافا صريحا بما تحويه نفسه من فقر ..
عيشها صح