عضل المرأة، قنبلة موقوتة

عضل المرأة قنبلة موقوتة
»  عضل المرأة، قنبلة موقوتة
شكرا لزيارتك! المحتوى متوفر بعد تسجيل الدخول
تسجيل جديد
مدة القراءة: 9 دقائق

من المشكلات الرئيسية التي تعاني منها المجتمعات العربية وخصوصا في المملكة العربية السعودية، مشكلة « عضل المرأة » وهي بإختصار، منع المرأة من الزواج على الإطلاق أو منعها من الزواج بمن تريد وترضى. عضل المرأة يأتي نتيجة لتشريع « الولاية » والسلطة التي يمنحها للولي بلا ضوابط واضحة. غياب الوضوح لمعالم « الولاية » يعني أن الأمر خاضع لتقديرات الولي ولأهوائه الشخصية مهما كانت ولا يمكن تدارك الضرر إلا بعد وقوعه وضياع حق الفتاة، هذا على إعتبار أنها تمكنت من المطالبة بحقها في وقت مبكر. والثابت أن معظم الفتيات والنساء مشلولات الحركة بسبب خوفهن الشديد من الولي أو لعدم معرفتهن بحقوقهن الدستورية.

كما نعرف أن كل دولة لها دستور واضح المعالم أو هكذا المفروض. الدستور يحدد مهام وواجبات وحقوق كل مواطن في البلاد، فعدم وضوح بند من بنود الدستور ونحن هنا نتحدث عن الولاية فيه إجحاف لحقوق فئة كبيرة تمثل أكثر من نصف تعداد السكان. إن عدم وضوح الدستور في هذا الجانب لو أضفنا إليه عدم معرفة المتأثرات بهذا البند معرفة كاملة فيه إعتداء على حقوق المواطنة التي تكفلها الدولة. فالمرأة قبل أن تكون زوجة فلان وإبنة فلان، هي أساسا مواطنة حقيقية كاملة الحقوق والواجبات. مادامت الدولة الحديثة بمؤسساتها وهيئاتها وأنظمتها الإدارية المعتبرة قد سنت قوانين وتشريعات تحكم العلاقة بين المواطنين فنحن لسنا في بلد متخلف بلا قانون ولكن هذا لا يعني أن لا نطالب بإجراء تعديلات تواكب التطور الثقافي والفكري في البلاد لينعكس أثرها على المواطن ذكر أو أنثى بما يتماشى والتعدد الثقافي للتركيبة السكانية التي تغيرت كثيرا خلال العشرون سنة الماضية. إذ لا يجوز أن تبقى القوانين جامدة في مكانها بينما وعي المجتمع يتطور بسرعة في إتجاه آفاق أرحب وأوسع لم تكن متوفرة في العقود السابقة.

عضل المرأة

بسبب قانون الولاية تفاقمت مشكلة عضل المرأة، وهذة المشكلة ليست حكرا على السعودية وإنما هي منتشرة ومتداولة حتى في الدول الأكثر إنفتاحا وتحررا والتي لا تطبق قانون الولاية ( ولاية الرجل على المرأة ) لأن الولاية أمر شرعي قبل أن يكون قانون وضعي. لذلك نرى قضايا العضل في كل مكان من العالم العربي. إلى حد الآن يتخبط المشرع الإسلامي في وضع إطار واضح للعضل لأنه لم يضع إطار واضح للمرأة. هل المرأة إنسان كامل الحقوق والواجبات مستقل عن الرجل أم أنها إنسان تابع لإنسان آخر؟ هل هي مواطنة كبقية المواطنين الرجال أم هي أقل مواطنة منهم؟

مفاهيم عامة حول الولاية والعضل

هذة بعض المفاهيم التي يجب أن يتضمنها أي قانون ولاية يحترم حقوق الإنسان ويحترم حقوق المرأة والطفل. بدون وجود مثل هذة البنود في أي قانون ولاية يجعله عديم الفائدة بل ومدعاة لسوء الإستغلال وبابا واسعا للإعتداء على المرأة وأطفالها وتضييع حقوقها وإبتزازها وتدميرها نفسيا.

١- الولي يحمي حقوق المرأة:

الولاية من المفروض أنها وجدت لحماية حقوق المرأة ودور الولي هو التأكد أنها حصلت على حقوقها كاملة، لا أن يتحول هو إلى مغتصب لتلك الحقوق في حالات وفي حالات أخرى يساومها على نيل حقوقها. الإسلام دين عدل لا دين إعتداء لكن كيف تحول الحكم الذي من المفروض أنه يدعم المرأة ويخفف عنها إلى حكم يقيدها ويستبيح حقوقها؟ فمثلا في قضية زواج المرأة من المفروض أن يتكفل الولي بإدارة عملية النكاح بمن ترضاه البنت لنفسها بأن يتثبت من حقيقة إداعاءات من يتقدم للزواج وأن يتأكد من خلوه من القضايا المخلة بالشرف والأمانة وأن يتأكد أن البنت لم يتم خداعها أو التلاعب بها أو تهديدها أو إبتزازها لتقبل بالمتقدم لخطبتها. هذة الأمور لا يعرف التصرف معها إلا الرجال لذلك تمت توليتهم أمر المرأة ليقموا بما لا تستطيع هي التثبت منه. أما إختيار الزوج فهو حق شرعي ودستوري في نفس الوقت. هي من حقها أن تختار من ستقضي حياتها معه. وفي حالة طلاقها يكون دور الولي هو إستيفاء وإسترجاع حقوقها إن كان لها حقوق والتفاوض على إعادة أي مستحقات عليها لطليقها إن وجدت وأن يتأكد أنها لم تخل بإتفاق وشروط الطلاق.

٢- وليها في الزواج يتحملها في الطلاق:

مادام هو وليها في الزواج فهو أيضا وليها في الطلاق وعليه أن يتحمل كل تبعات الولاية من واجبات مترتبة على طلاقها من توفير المسكن المناسب لها الذي تستطيع الإقامة فيه حفظا لها ولكرامتها الإنسانية ولأولادها وبناتها ويتحمل الإنفاق عليها وعليهم دون من أو أذى وأن يعاملهم جميعا بالحسنى بمقتضيات الولاية. فإن لم يستطع هو فلينقل ولايتها للكفؤ الذي يستطيع حمايتها وحماية حقوقها والمطالبة بها بالنيابة عنها.

٣- تعريف واضح لحدود المسؤلية:

يجب أن يكون هناك تعريف واضح لحدود مسؤلية الولي فلا هو يسيء إستخدام الحق القانوني الموكل إليه وأيضا لا تتحول الولاية إلى إستنزاف لموارده وقدراته كمواطن لم يختر أن يكون وليا لأحد بإرادته. ننسى أن الولي إنسان يمكن أن يخطىء تقدير حدود مسؤليته فإما يسيء إستخدامها جهلا بالقوانين أو يهضم حقه ويتم تحميله ما لا طاقة له به وقد يكون مسؤلا عن زوجة وأولاد وأمور كثيرة أخرى.

٤- حق المرأة في إختيار الزوج الذي ترضاه لنفسها:

هذا حق إنساني فطري كفلته كل شرائع البشر منذ القدم، وفي العصر الحديث صار هذا أمر بديهي وضروري للمحافظة على الصحة النفسية لأفراد المجتمع. لقد تغيرت المجتمعات وتطورت تطورا مضطردا في العقود الأخير وصار ليس من المنطقي أو الإنساني أو المستساغ إجبار أي إنسان سواء ذكر أو أنثى على الزواج بمن لا يرضاه لنفسه لأن في هذا إعتداء على حقوقه الإنسانية والشرعية والدستورية. إن كانت دساتير الدول وقوانينها تمنح المواطن حق الزواج بمن يختار، كيف يسمح للولي بإلغاء نصوص قانونية واضحة ويتطاول على حقوق مواطن آخر دون وجه حق؟

٥- لا يحق لمواطن تقرير مصير مواطن آخر:

لقد تحول قانون ولاية الرجل لأمر المرأة إلى ما يشبه قانون عبودية حديثة حيث يوضع مصير مواطن في يد مواطن آخر يقرر له متى يخرج ومتى يرجع أو إن كان سيخرج أساسا. كل مظاهر العبودية واضحة في قانون الولاية المفتوح بلا قيود. فالولي هو الذي يقرر كل شيء في حياة المرأة ولا يحق لها التحرك أو القيام بأي شيء حتى في أمورها الشخصية إلا بأمر وليها ومن ضمنها إختيار الزوج. هذا تهديد صارخ لحقوق المواطنة لا يمكن التغاضي عنه أو تجهله أو تجاهل تداعياته السلبية على الوطن ونفسية قطاع كبير من المواطنات الذين يمثلن جزء رئيسي وجوهري في بناء الدولة الحديثة.

٦- تولية الخصوم أو الأقل وعيا:

لا يجوز تولية أمر إمرأة لمن هو على خلاف عائلي معها كأحد أعمامها أو أخوالها أو قريب لها إن كان هناك خلاف عائلي بينها وبينه. كيف يتم وضع إنسان تحت تصرف عدوه أو خصمه اللدود فقط لأنه من العائلة؟ ماذا إن كان هو نفسه من إغتصب حقوقها أو من كان يتربص للنيل منها لخلاف عائلي سواء معها مباشرة أو مع وليها المتوفي؟ أيضا ليس من اللائق أو المنطقي تولية أمر فتاة لإنسان أقل منها وعيا أو أقل حسا بالمسؤلية أو متهم في قضايا مخلة بالشرف والأمانة أو به عاهة نفسية أو أذى عقلي. مما يصعب على النفس البشرية هو تقبل أن يصبح الأقل وعيا أو أقل منزلة علمية وليا ومتحكما في مصير من هو أعلى وعيا وخبرة. الآثار النفسية لهذا الإنقلاب في المنطق يؤدي إلى أضرار نفسية بالغة.

٧- ولاية الطفل وكالة:

هذا من الأمور المضحكة المبكية إذ كيف تلد الأم سيدها؟ كيف يصبح الطفل وليا لأمه؟ دور الطفل هنا ليس الولاية وإنما القيام بالأعمال بموجب وكالة محدودة وتصبح الأم ولية نفسها وبناتها إن وجدن. حدود الوكالة هو تنفيذ حرفيا ما تطلبه الأم ولية نفسها من معملات حكومية ذات علاقة.

٨- محكمة صلح:

يجب تخصيص محكمة للنظر في القضايا المتعلقة بالولاية وعلى وجه الخصوص قضايا العضل لأنها قضايا ملحة ومصيرية للبعض ولأن المماطلة والتأخير في البت في مثل هذة القضايا قد يضيع الحقوق ويستنزف المتضررات وهن مستنزفات أساسا على أيدي أوليائهم. دور محكمة الصلح هو حل المشكلة بسرعة وإعادة الحقوق لأصحابها دون الإضرار بمصالحهم. المحاكم الآن وبالوتيرة التي تسير بها القضايا تجعلها وسيلة إبتزاز أكثر من كونها وسيلة مساعدة، لأن المرأة المتضررة تعلم مقدما أن القضية قد تطول وهذا فيه تضييع لجهودها ووقتها ومالها. وإن كانت القضية للولي المطالب بحقوقه فهو أيضا يتعرض إلى نفس الظروف المرهقة والتي قد تجعله يتوقف بسبب صعوبة إستعادة حقه دون إهدار وقته الذي يمكن أن يقضيه في متابعة أعماله ورزق عائلته.

٩- قانون لمعاقبة الولي:

يجب أن يكون هناك قانون واضح يردع الولي المعتدي ويوقفه عن التطاول على حقوق من أوكلت إليه مهمة رعاية حقوقهم من نساء وأطفال. بما أن القانون وضع الولي في منزلة يتحكم فيها بمصير مواطنين آخرين فهو عمليا يعتبره من كوادر الدولة وموظفيها التنفيذيين وعليه كما يحاسب الموظف المسيء أو المختلس أو المخل بحفظ الأمانة أو ممتلكات الدولة، فإن على الولي أن يحاسب على التقصير في القيام بواجبه نحو من وضع القانون يده عليهم وولاه أمرهم.

١٠- التثقيف والتوجيه:

يجب أن ينشر قانون الولاية من خلال المدارس ويتم التعريف به وتثقيف الطلاب والطالبات في المرحلة الثانوية بما لهم وعليهم. بما أن الولاية تدخل في حياة الناس اليومية فمن البديهي أن يعرفها الجميع وأن يتم زيادة ثقافتهم ووعيهم بها حتى لا يحدث إعتداء من أي طرف على الآخر وبهذا نتجنب الكثير من المشكلات التي يمكن تداركها بالتوعية الصحيحة. مثلا يحصل كل طالب وطالبة على كتيب فيه كل القوانين التي يعتقد أنها ضرورية للمواطن العادي بما فيها قانون الولاية.

١١- الجانب الأمني للعضل:

تبلغ نسبة العنوسة في المجتمع السعودي للنساء حوالي مليون وأربعمئة الف فتاة تعدت سن الـ ٣٢ عام ولم تتزوج، ويشكل العضل سبب رئيسي لإرتفاع هذا العدد. نحن نتحدث عن ما يقارب المليون ونصف مواطنة يحتجن إلى نفس العدد من الرجال من أجل الزواج. هذا رقم كبير جدا بالنسبة لبلد تعداد سكانها لا يتعدى العشرين مليون نسمة. كل هذة الأعداد الهائلة من النساء والرجال لا يستطيعون الزواج لأن أحدهم قرر منع النساء تحت ولايته من الزواج. عندما تجمع الأرقام فأنت لا تتحدث عن قضية فردية وإنما قضية أمن قومي. عندما يسمح القانون بذلك فهو يسمح بفتح باب تهديد للأمن القومي لأن كل هذة الأعداد من المواطنين تعاني أو ستعاني في مرحلة من مراحل حياتها من إختلالات نفسية بالغة قد تحولهم إلى ناقمين على المجتمع أو مجرمين أو حتى متعاونين مع أعداء الوطن نكاية به وغضبا على أوضاعهم النفسية المزرية.

الجانب الأمني لزيادة العنوسة يجب أن يولى إهتماما أكبر لأنه ليس من الطبيعي أن يعيش ما يقارب من ربع السكان دون زواج لهذا العمر وما بعده في حالات غير قليلة. أما من ناحية طاقة الأفراد فإن المرأة رغم ضعفها ظاهريا إلا أنها تشكل مخزنا نوويا للطاقة. عندما تغضب ملايين النساء في وقت متقارب فإن هذا سيشكل هزة عنيفة للمجتمع لا يعرف تأثيرها وقد تؤدي إلى تهتكات إجتماعية جسيمة وإخلال بالأمن يصعب السيطرة عليه. من خلال قبولنا بالعضل وعدم التعامل معه التعامل الصحيح فإننا كمن يضع مصير الوطن في يد أفراد يتصرفون بلا إدراك كامل لحجم الضرر الذي يتسببون به لأوطانهم. إن كنا جادين في سعينا لحماية الوطن فعلينا تثقيف المواطن بتصرفاته الفردية وآثارها الكارثية على الأمن القومي.

١٢- إنحراف الفطرة:

تأخير الزواج أو التلاعب بإختيارات الإنسان سواء ذكر أو أنثى يؤدي إلى إنحراف الفطرة السليمة. الجنس طاقة جبارة معروفة منذ القدم ولا يستطيع العاقل إنكار تأثيرها على بناء النفسية السليمة للأفراد، عندما يتم كبتها أو التلاعب بها فإنها دائما تجد مخرجا للتنفيس ولا ينفع في مثل هذة الحال التهديد بالعقاب الديني أو أي محاولات للتهدئة دون إشباع تلك الرغبة الطبيعية. هذا التنفيس عن الكبت يظهر على شكل شذوذ جنسي وإنحراف نفسي خطير. الإحصاءآت تتحدث عن أرقام خطيرة في هذا الشأن لا يغفل عنها إلا مكابر. لا أريد أن أتعمق أكثر في هذا الجانب لأن عملية بحث سريعة ستظهر لنا حجم الضرر الحاصل من الكبت الجنسي، مشفوع بدراسات ميدانية من مؤسسات الدولة وغيرها من مؤسسات بحثية معتبرة.

١٣- تعاليم متضاربة:

من الصعب التعامل مع تعاليم متضاربة لأنها تضع الناس في حيرة. فالبنت تقع بين أمرين أحلاهما مر. فهي أولا مضطرة لرفع قضية عضل وهذا فيه إستنزاف لها ولإمكانياتها وتشهير لشخصها، ومن ناحية ثانية يصطدم هذا الحق بتعاليم بر الوالدين والتي تغولت بشكل كبير حتى كادت تصبح عبادة لهما. لا يمكنك أن ترسخ مبادىء الطاعة حد الخنوع والإستسلام وغياب الشخصية ثم تتوقع أن البنت ستتجه إلى المحكمة لرفع دعوى قضائية بسهولة. في أعماقها تتصارع مفاهيم متعارضة ومتلاطمة كموج البحر. هل تطالب بحقوقها وتجازف بدخول النار لأنها أغضبت والدها أو والدتها؟ هكذا تشعر عندما تريد أخذ حقها وعلى هذا الأساس فإن ما أعطيناها إياه بيد أفسدناه باليد الأخرى. الآن هي تتمتع بحق ملوث بمفهوم صعب تقبله. في النهاية النسبة الأكبر من النساء تبقى عاجزة عن إستخدام القانون بسبب الأفكار الدينية التي تعتقد أنها ستدخلها النار.


هذة بإختصار بعض الأفكار التي راودتني حول موضوع الولاية وعضل المرأة والتي أتمنى أن تنال آذان صاغية. نحن نعيش في دولة حديثة تدار بالقانون ولسنا نعيش في دولة بدائية تدار بقوة القبيلة والأهواء الشخصية. أنا على يقين أن القانون هو الحل لمعظم مشاكلنا وعليه يجب أن تواكب القوانين الأوضاع الإجتماعية المستجدة وأن تحمي المواطن حتى من نفسه ومن قراراته الخاطئة وأن تجدد تلك القوانين وتنقح لتعكس المستوى الفكري والثقافي الذي وصل إليه أفراد المجتمع والذين ما عادوا قادرين على الحياة بتوازن في ظل وجود تشريعات قديمة لا تمثل الوضع الحقيقي هذة الأيام.

قانون الولاية القصد منه تسهيل أمور المرأة وتجنيبها مشقة الحياة والصراع من أجل نيل حقوقها، لكن بشكله الحالي هو أضرها أكثر مما نفعها وسجنها والمفروض أنه يحررها.

  • أفضل منصة تداول
  • مقالاتي المفضلة

    • لم يعثر على أي تفضيلات
  • تعلّم الإنجليزية بسرعة

    تعلّم الإنجليزية بسرعة

  • شبكة أبرك للسلام - جميع الحقوق محفوظة
    Developed by WiderSite

    عضل المرأة، قنبلة موقوتة

    مدة القراءة: 9 دقائق

    من المشكلات الرئيسية التي تعاني منها المجتمعات العربية وخصوصا في المملكة العربية السعودية، مشكلة « عضل المرأة » وهي بإختصار، منع المرأة من الزواج على الإطلاق أو منعها من الزواج بمن تريد وترضى. عضل المرأة يأتي نتيجة لتشريع « الولاية » والسلطة التي يمنحها للولي بلا ضوابط واضحة. غياب الوضوح لمعالم « الولاية » يعني أن الأمر خاضع لتقديرات الولي ولأهوائه الشخصية مهما كانت ولا يمكن تدارك الضرر إلا بعد وقوعه وضياع حق الفتاة، هذا على إعتبار أنها تمكنت من المطالبة بحقها في وقت مبكر. والثابت أن معظم الفتيات والنساء مشلولات الحركة بسبب خوفهن الشديد من الولي أو لعدم معرفتهن بحقوقهن الدستورية.

    كما نعرف أن كل دولة لها دستور واضح المعالم أو هكذا المفروض. الدستور يحدد مهام وواجبات وحقوق كل مواطن في البلاد، فعدم وضوح بند من بنود الدستور ونحن هنا نتحدث عن الولاية فيه إجحاف لحقوق فئة كبيرة تمثل أكثر من نصف تعداد السكان. إن عدم وضوح الدستور في هذا الجانب لو أضفنا إليه عدم معرفة المتأثرات بهذا البند معرفة كاملة فيه إعتداء على حقوق المواطنة التي تكفلها الدولة. فالمرأة قبل أن تكون زوجة فلان وإبنة فلان، هي أساسا مواطنة حقيقية كاملة الحقوق والواجبات. مادامت الدولة الحديثة بمؤسساتها وهيئاتها وأنظمتها الإدارية المعتبرة قد سنت قوانين وتشريعات تحكم العلاقة بين المواطنين فنحن لسنا في بلد متخلف بلا قانون ولكن هذا لا يعني أن لا نطالب بإجراء تعديلات تواكب التطور الثقافي والفكري في البلاد لينعكس أثرها على المواطن ذكر أو أنثى بما يتماشى والتعدد الثقافي للتركيبة السكانية التي تغيرت كثيرا خلال العشرون سنة الماضية. إذ لا يجوز أن تبقى القوانين جامدة في مكانها بينما وعي المجتمع يتطور بسرعة في إتجاه آفاق أرحب وأوسع لم تكن متوفرة في العقود السابقة.

    عضل المرأة

    بسبب قانون الولاية تفاقمت مشكلة عضل المرأة، وهذة المشكلة ليست حكرا على السعودية وإنما هي منتشرة ومتداولة حتى في الدول الأكثر إنفتاحا وتحررا والتي لا تطبق قانون الولاية ( ولاية الرجل على المرأة ) لأن الولاية أمر شرعي قبل أن يكون قانون وضعي. لذلك نرى قضايا العضل في كل مكان من العالم العربي. إلى حد الآن يتخبط المشرع الإسلامي في وضع إطار واضح للعضل لأنه لم يضع إطار واضح للمرأة. هل المرأة إنسان كامل الحقوق والواجبات مستقل عن الرجل أم أنها إنسان تابع لإنسان آخر؟ هل هي مواطنة كبقية المواطنين الرجال أم هي أقل مواطنة منهم؟

    مفاهيم عامة حول الولاية والعضل

    هذة بعض المفاهيم التي يجب أن يتضمنها أي قانون ولاية يحترم حقوق الإنسان ويحترم حقوق المرأة والطفل. بدون وجود مثل هذة البنود في أي قانون ولاية يجعله عديم الفائدة بل ومدعاة لسوء الإستغلال وبابا واسعا للإعتداء على المرأة وأطفالها وتضييع حقوقها وإبتزازها وتدميرها نفسيا.

    ١- الولي يحمي حقوق المرأة:

    الولاية من المفروض أنها وجدت لحماية حقوق المرأة ودور الولي هو التأكد أنها حصلت على حقوقها كاملة، لا أن يتحول هو إلى مغتصب لتلك الحقوق في حالات وفي حالات أخرى يساومها على نيل حقوقها. الإسلام دين عدل لا دين إعتداء لكن كيف تحول الحكم الذي من المفروض أنه يدعم المرأة ويخفف عنها إلى حكم يقيدها ويستبيح حقوقها؟ فمثلا في قضية زواج المرأة من المفروض أن يتكفل الولي بإدارة عملية النكاح بمن ترضاه البنت لنفسها بأن يتثبت من حقيقة إداعاءات من يتقدم للزواج وأن يتأكد من خلوه من القضايا المخلة بالشرف والأمانة وأن يتأكد أن البنت لم يتم خداعها أو التلاعب بها أو تهديدها أو إبتزازها لتقبل بالمتقدم لخطبتها. هذة الأمور لا يعرف التصرف معها إلا الرجال لذلك تمت توليتهم أمر المرأة ليقموا بما لا تستطيع هي التثبت منه. أما إختيار الزوج فهو حق شرعي ودستوري في نفس الوقت. هي من حقها أن تختار من ستقضي حياتها معه. وفي حالة طلاقها يكون دور الولي هو إستيفاء وإسترجاع حقوقها إن كان لها حقوق والتفاوض على إعادة أي مستحقات عليها لطليقها إن وجدت وأن يتأكد أنها لم تخل بإتفاق وشروط الطلاق.

    ٢- وليها في الزواج يتحملها في الطلاق:

    مادام هو وليها في الزواج فهو أيضا وليها في الطلاق وعليه أن يتحمل كل تبعات الولاية من واجبات مترتبة على طلاقها من توفير المسكن المناسب لها الذي تستطيع الإقامة فيه حفظا لها ولكرامتها الإنسانية ولأولادها وبناتها ويتحمل الإنفاق عليها وعليهم دون من أو أذى وأن يعاملهم جميعا بالحسنى بمقتضيات الولاية. فإن لم يستطع هو فلينقل ولايتها للكفؤ الذي يستطيع حمايتها وحماية حقوقها والمطالبة بها بالنيابة عنها.

    ٣- تعريف واضح لحدود المسؤلية:

    يجب أن يكون هناك تعريف واضح لحدود مسؤلية الولي فلا هو يسيء إستخدام الحق القانوني الموكل إليه وأيضا لا تتحول الولاية إلى إستنزاف لموارده وقدراته كمواطن لم يختر أن يكون وليا لأحد بإرادته. ننسى أن الولي إنسان يمكن أن يخطىء تقدير حدود مسؤليته فإما يسيء إستخدامها جهلا بالقوانين أو يهضم حقه ويتم تحميله ما لا طاقة له به وقد يكون مسؤلا عن زوجة وأولاد وأمور كثيرة أخرى.

    ٤- حق المرأة في إختيار الزوج الذي ترضاه لنفسها:

    هذا حق إنساني فطري كفلته كل شرائع البشر منذ القدم، وفي العصر الحديث صار هذا أمر بديهي وضروري للمحافظة على الصحة النفسية لأفراد المجتمع. لقد تغيرت المجتمعات وتطورت تطورا مضطردا في العقود الأخير وصار ليس من المنطقي أو الإنساني أو المستساغ إجبار أي إنسان سواء ذكر أو أنثى على الزواج بمن لا يرضاه لنفسه لأن في هذا إعتداء على حقوقه الإنسانية والشرعية والدستورية. إن كانت دساتير الدول وقوانينها تمنح المواطن حق الزواج بمن يختار، كيف يسمح للولي بإلغاء نصوص قانونية واضحة ويتطاول على حقوق مواطن آخر دون وجه حق؟

    ٥- لا يحق لمواطن تقرير مصير مواطن آخر:

    لقد تحول قانون ولاية الرجل لأمر المرأة إلى ما يشبه قانون عبودية حديثة حيث يوضع مصير مواطن في يد مواطن آخر يقرر له متى يخرج ومتى يرجع أو إن كان سيخرج أساسا. كل مظاهر العبودية واضحة في قانون الولاية المفتوح بلا قيود. فالولي هو الذي يقرر كل شيء في حياة المرأة ولا يحق لها التحرك أو القيام بأي شيء حتى في أمورها الشخصية إلا بأمر وليها ومن ضمنها إختيار الزوج. هذا تهديد صارخ لحقوق المواطنة لا يمكن التغاضي عنه أو تجهله أو تجاهل تداعياته السلبية على الوطن ونفسية قطاع كبير من المواطنات الذين يمثلن جزء رئيسي وجوهري في بناء الدولة الحديثة.

    ٦- تولية الخصوم أو الأقل وعيا:

    لا يجوز تولية أمر إمرأة لمن هو على خلاف عائلي معها كأحد أعمامها أو أخوالها أو قريب لها إن كان هناك خلاف عائلي بينها وبينه. كيف يتم وضع إنسان تحت تصرف عدوه أو خصمه اللدود فقط لأنه من العائلة؟ ماذا إن كان هو نفسه من إغتصب حقوقها أو من كان يتربص للنيل منها لخلاف عائلي سواء معها مباشرة أو مع وليها المتوفي؟ أيضا ليس من اللائق أو المنطقي تولية أمر فتاة لإنسان أقل منها وعيا أو أقل حسا بالمسؤلية أو متهم في قضايا مخلة بالشرف والأمانة أو به عاهة نفسية أو أذى عقلي. مما يصعب على النفس البشرية هو تقبل أن يصبح الأقل وعيا أو أقل منزلة علمية وليا ومتحكما في مصير من هو أعلى وعيا وخبرة. الآثار النفسية لهذا الإنقلاب في المنطق يؤدي إلى أضرار نفسية بالغة.

    ٧- ولاية الطفل وكالة:

    هذا من الأمور المضحكة المبكية إذ كيف تلد الأم سيدها؟ كيف يصبح الطفل وليا لأمه؟ دور الطفل هنا ليس الولاية وإنما القيام بالأعمال بموجب وكالة محدودة وتصبح الأم ولية نفسها وبناتها إن وجدن. حدود الوكالة هو تنفيذ حرفيا ما تطلبه الأم ولية نفسها من معملات حكومية ذات علاقة.

    ٨- محكمة صلح:

    يجب تخصيص محكمة للنظر في القضايا المتعلقة بالولاية وعلى وجه الخصوص قضايا العضل لأنها قضايا ملحة ومصيرية للبعض ولأن المماطلة والتأخير في البت في مثل هذة القضايا قد يضيع الحقوق ويستنزف المتضررات وهن مستنزفات أساسا على أيدي أوليائهم. دور محكمة الصلح هو حل المشكلة بسرعة وإعادة الحقوق لأصحابها دون الإضرار بمصالحهم. المحاكم الآن وبالوتيرة التي تسير بها القضايا تجعلها وسيلة إبتزاز أكثر من كونها وسيلة مساعدة، لأن المرأة المتضررة تعلم مقدما أن القضية قد تطول وهذا فيه تضييع لجهودها ووقتها ومالها. وإن كانت القضية للولي المطالب بحقوقه فهو أيضا يتعرض إلى نفس الظروف المرهقة والتي قد تجعله يتوقف بسبب صعوبة إستعادة حقه دون إهدار وقته الذي يمكن أن يقضيه في متابعة أعماله ورزق عائلته.

    ٩- قانون لمعاقبة الولي:

    يجب أن يكون هناك قانون واضح يردع الولي المعتدي ويوقفه عن التطاول على حقوق من أوكلت إليه مهمة رعاية حقوقهم من نساء وأطفال. بما أن القانون وضع الولي في منزلة يتحكم فيها بمصير مواطنين آخرين فهو عمليا يعتبره من كوادر الدولة وموظفيها التنفيذيين وعليه كما يحاسب الموظف المسيء أو المختلس أو المخل بحفظ الأمانة أو ممتلكات الدولة، فإن على الولي أن يحاسب على التقصير في القيام بواجبه نحو من وضع القانون يده عليهم وولاه أمرهم.

    ١٠- التثقيف والتوجيه:

    يجب أن ينشر قانون الولاية من خلال المدارس ويتم التعريف به وتثقيف الطلاب والطالبات في المرحلة الثانوية بما لهم وعليهم. بما أن الولاية تدخل في حياة الناس اليومية فمن البديهي أن يعرفها الجميع وأن يتم زيادة ثقافتهم ووعيهم بها حتى لا يحدث إعتداء من أي طرف على الآخر وبهذا نتجنب الكثير من المشكلات التي يمكن تداركها بالتوعية الصحيحة. مثلا يحصل كل طالب وطالبة على كتيب فيه كل القوانين التي يعتقد أنها ضرورية للمواطن العادي بما فيها قانون الولاية.

    ١١- الجانب الأمني للعضل:

    تبلغ نسبة العنوسة في المجتمع السعودي للنساء حوالي مليون وأربعمئة الف فتاة تعدت سن الـ ٣٢ عام ولم تتزوج، ويشكل العضل سبب رئيسي لإرتفاع هذا العدد. نحن نتحدث عن ما يقارب المليون ونصف مواطنة يحتجن إلى نفس العدد من الرجال من أجل الزواج. هذا رقم كبير جدا بالنسبة لبلد تعداد سكانها لا يتعدى العشرين مليون نسمة. كل هذة الأعداد الهائلة من النساء والرجال لا يستطيعون الزواج لأن أحدهم قرر منع النساء تحت ولايته من الزواج. عندما تجمع الأرقام فأنت لا تتحدث عن قضية فردية وإنما قضية أمن قومي. عندما يسمح القانون بذلك فهو يسمح بفتح باب تهديد للأمن القومي لأن كل هذة الأعداد من المواطنين تعاني أو ستعاني في مرحلة من مراحل حياتها من إختلالات نفسية بالغة قد تحولهم إلى ناقمين على المجتمع أو مجرمين أو حتى متعاونين مع أعداء الوطن نكاية به وغضبا على أوضاعهم النفسية المزرية.

    الجانب الأمني لزيادة العنوسة يجب أن يولى إهتماما أكبر لأنه ليس من الطبيعي أن يعيش ما يقارب من ربع السكان دون زواج لهذا العمر وما بعده في حالات غير قليلة. أما من ناحية طاقة الأفراد فإن المرأة رغم ضعفها ظاهريا إلا أنها تشكل مخزنا نوويا للطاقة. عندما تغضب ملايين النساء في وقت متقارب فإن هذا سيشكل هزة عنيفة للمجتمع لا يعرف تأثيرها وقد تؤدي إلى تهتكات إجتماعية جسيمة وإخلال بالأمن يصعب السيطرة عليه. من خلال قبولنا بالعضل وعدم التعامل معه التعامل الصحيح فإننا كمن يضع مصير الوطن في يد أفراد يتصرفون بلا إدراك كامل لحجم الضرر الذي يتسببون به لأوطانهم. إن كنا جادين في سعينا لحماية الوطن فعلينا تثقيف المواطن بتصرفاته الفردية وآثارها الكارثية على الأمن القومي.

    ١٢- إنحراف الفطرة:

    تأخير الزواج أو التلاعب بإختيارات الإنسان سواء ذكر أو أنثى يؤدي إلى إنحراف الفطرة السليمة. الجنس طاقة جبارة معروفة منذ القدم ولا يستطيع العاقل إنكار تأثيرها على بناء النفسية السليمة للأفراد، عندما يتم كبتها أو التلاعب بها فإنها دائما تجد مخرجا للتنفيس ولا ينفع في مثل هذة الحال التهديد بالعقاب الديني أو أي محاولات للتهدئة دون إشباع تلك الرغبة الطبيعية. هذا التنفيس عن الكبت يظهر على شكل شذوذ جنسي وإنحراف نفسي خطير. الإحصاءآت تتحدث عن أرقام خطيرة في هذا الشأن لا يغفل عنها إلا مكابر. لا أريد أن أتعمق أكثر في هذا الجانب لأن عملية بحث سريعة ستظهر لنا حجم الضرر الحاصل من الكبت الجنسي، مشفوع بدراسات ميدانية من مؤسسات الدولة وغيرها من مؤسسات بحثية معتبرة.

    ١٣- تعاليم متضاربة:

    من الصعب التعامل مع تعاليم متضاربة لأنها تضع الناس في حيرة. فالبنت تقع بين أمرين أحلاهما مر. فهي أولا مضطرة لرفع قضية عضل وهذا فيه إستنزاف لها ولإمكانياتها وتشهير لشخصها، ومن ناحية ثانية يصطدم هذا الحق بتعاليم بر الوالدين والتي تغولت بشكل كبير حتى كادت تصبح عبادة لهما. لا يمكنك أن ترسخ مبادىء الطاعة حد الخنوع والإستسلام وغياب الشخصية ثم تتوقع أن البنت ستتجه إلى المحكمة لرفع دعوى قضائية بسهولة. في أعماقها تتصارع مفاهيم متعارضة ومتلاطمة كموج البحر. هل تطالب بحقوقها وتجازف بدخول النار لأنها أغضبت والدها أو والدتها؟ هكذا تشعر عندما تريد أخذ حقها وعلى هذا الأساس فإن ما أعطيناها إياه بيد أفسدناه باليد الأخرى. الآن هي تتمتع بحق ملوث بمفهوم صعب تقبله. في النهاية النسبة الأكبر من النساء تبقى عاجزة عن إستخدام القانون بسبب الأفكار الدينية التي تعتقد أنها ستدخلها النار.


    هذة بإختصار بعض الأفكار التي راودتني حول موضوع الولاية وعضل المرأة والتي أتمنى أن تنال آذان صاغية. نحن نعيش في دولة حديثة تدار بالقانون ولسنا نعيش في دولة بدائية تدار بقوة القبيلة والأهواء الشخصية. أنا على يقين أن القانون هو الحل لمعظم مشاكلنا وعليه يجب أن تواكب القوانين الأوضاع الإجتماعية المستجدة وأن تحمي المواطن حتى من نفسه ومن قراراته الخاطئة وأن تجدد تلك القوانين وتنقح لتعكس المستوى الفكري والثقافي الذي وصل إليه أفراد المجتمع والذين ما عادوا قادرين على الحياة بتوازن في ظل وجود تشريعات قديمة لا تمثل الوضع الحقيقي هذة الأيام.

    قانون الولاية القصد منه تسهيل أمور المرأة وتجنيبها مشقة الحياة والصراع من أجل نيل حقوقها، لكن بشكله الحالي هو أضرها أكثر مما نفعها وسجنها والمفروض أنه يحررها.

    رأيك مهم، شارك بفكرة تثري تجربة الآخرين