تتفاوت قيمة المرأة في الثقافة العربية من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى آخر، لكنها في جميع الأحوال متدنية في السواد الأعظم من المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج. قيمة المرأة متدنية لأن الثقافة العربية ذكورية بطبعها حيث الرجل يمثل كل شيء تقريبا. الثقافة الذكورية نفسها لا تنشأ إلا في البيئات التي يسيطر عليها الخوف. فالرجل العربي يعاني من إختلالات نفسية جسيمة ورثها من تاريخ حافل بالخوف والقتل وسفك الدماء وهذا ما ظهر على شكل شخصيات مهزوزة ورخوة من الداخل تقوم بحماية نفسها بإظهار القوة على المرأة. الأمر نفسي ١٠٠٪ فعندما يصبح الرجل ضعيفا فهو لا يريد إظهار ضعفه للمرأة لأنه سيسقط من عينها وتتدنى نظرتها له، وهذا غير مقبول من وجهة نظر الرجل.
على هذا تطورت ثقافة قمع المرأة وتهميش دورها ليس لأنها غير مهمة ولكن لأن الرجل ضعيف شخصية أمام الرجال الآخرين، والذين هم بدورهم ضعيفي الشخصية أمام غيرهم من الرجال وهكذا حتى أصبح الرجال يتفاخرون بسطوتهم في بيوتهم، ولأنهم أضعف من أن يحموا المرأة التي بحوزتهم فإنهم آثروا تغطيتها وسجنها في البيت. فالمرأة التي يحميها رجل قوي تستطيع التحرك بكل سهولة داخل وخارج البيت ولا يمكن لأي رجل آخر إلا أن يذعن لسطوة الرجل المسؤل عن حمايتها.
النظرة الدونية للمرأة فيما بعد تطورت حتى صارت عرفا متبعا ولا يمكن للرجال أو النساء الإفلات منه، ثم تمت إضافته للدين فصارت المرأة رسميا لا شيء، مجرد أداة متعة للرجل وأحد مصادر زيادة عدد سكان الكوكب. طبعا يتحجج الكثير من الناس بأن الإسلام قد أنصف المرأة ومنحها حقوقها المسلوبة قبل الإسلام. هذا هراء منتشر كثيرا بين الناس ولا أثر له يذكر في واقعهم. في الحقيقة عندما حرر الإسلام المرأة هو حررها من الإستعباد وأعاد لها حقوقها لتستمر في التطور مع الرجل ونيل حقوق أخرى بما أنها قد تحررت. جمد رجال الدين حرية المرأة في النصوص الدينية القديمة ونسوا تماما أو تناسوا أن الحرية تعني النمو المستمر وأن ما حصلت عليه المرأة عندما كانت مستعبدة مجرد البداية التي كان يجب البناء عليها وتطويرها وتهذيبها أكثر لتتماشى مع التطور الفكري للبشرية.
لذلك ما نراه هذة الأيام من حقوق مزعومة لا يمثل إلا حقوق العبدة في أول أيام تحررها ولا علاقة له بتطور الجنس البشري إطلاقا. ولو حتى فرضنا جدلا أن الإسلام قد حرر المرأة ومنحها حقوقها وأثبت لها كرامتها فإن هذا غير ثابت على أرض الواقع. الدليل في هذا هو وضع المرأة الآن في الحياة الإجتماعية. كيف الإسلام حرر المرأة وهناك من يتحرش بها؟ إما أن الإسلام لم يحرر المرأة أو أن العرب لا يعرفون دينهم أو لا يؤمنون به بما يكفي لتطبيق أحكامه. في جميع الأحوال ومهما كان السبب فإن لنا النتائج، وهي هذة الأيام مخيبة للآمال.
المرأة مازالت في عقلية الرجل وحتى المرأة نفسها، مجرد أداة جنسية لمتعة الرجل. هكذا هو يراها وعلى هذا الأساس يتصرف، وللأسف نسبة كبيرة من النساء يمارسن نفس الفكر على أنفسهن. هذا هو سبب تدني قيمة المرأة. هي مجرد أداة جنسية تابعة لأحد الرجال أو خادمة أو تابعة لأحدهم. مهما تعلمت أو تقدمت أو تفوقت فتبقى مرأة تابعة لرجل تأخذ قيمتها منه. وبما أن الرجال يعانون من شخصيات متدنية فكذلك قيمة المرأة التابعة لهم.
ما نحن بحاجة إليه هو رفع قيمة المرأة عند نفسها قبل رفعها عند الرجل. يجب أن تنظر هي لنفسها النظرة السليمة حتى تستطيع أن تعكسها على من يتعامل معها من الرجال وحتى تستطيع هي إنتاج رجال يحترمون وجودها في المجتمع. للأسف فإن حتى حملات دعم المرأة لم تنتبه إلى حقيقة أن قيمة المرأة متدنية وتم إختزال قضيتها في الحصول على بعض الإمتيازات الهامشية كالمناصب الوزارية والإدارية وسياقة السيارة وربما لبس المايوه على البحر. الذين دافعوا عن المرأة، قاموا بذلك بطريقة بدائية جدا وأوهموا المرأة أنها إذا حصلت على مظاهر التحرر فإنها سترفع من مكانتها في عين الرجل لتعيش بعدها حياة سعيدة. الواقع يقول عكس ذلك تماما فحتى في المجتمعات المنفتحة والتي تتمتع بقوانين واضحة في حماية المرأة، لم يستطع الرجل النظر للمرأة إلا كأداة جنسية له أو خادمة مطيعة تنفذ أوامره.
لم يستطع الرجل العربي إحترام المرأة في عقله ولم تتمكن هي من فرض إحترامها عليه لأنه قد تم إغتصاب حركتها وتحويلها إلى حركة أطر خارجية ولم تتم معالجة الفكر والنفسية العربية المريضة. إن كنا نريد تمكين المرأة فعلا فعلينا العمل بجد ونشاط نحو رفع قيمتها في الحياة وتعزيز دورها ثم خلق ثقافة جديدة تهذب سلوك الرجل وتفرض عليه قوانين واضحة للتعامل بإحترام وحيادية مع المرأة. أول القوانين التي يجب الإهتمام بها هو قانون منع التحرش وإنزال عقوبات شديدة في أي رجل يثبت عليه التحرش بإمرأة سواء في الشارع أو في أماكن العمل. والقانون الثاني هو قانون الحماية من الإعتداء الجسدي على المرأة أو منعها من الوصول وإستخدام أدوات الدولة الإعتبارية كالقضاء والشرطة والمستشفيات ووسائل التثقيف بالحقوق المدنية والقانونية ذات العلاقة. والقانون الثالث وهو فتح الباب لها للمشاركة السياسية الكاملة وخصوصا وضع المرأة والتصويت على القوانين المتعلقة بالأسرة والطفل والحريات العامة.
إن كنا جادين في سعينا نحو تغيير النظرة الإجتماعية للمرأة فيجب إطلاق مشروع متكامل يعنى بالأسرة ككل ويبدأ عمله من مرحلة التعليم الإبتدائي ويمتد إلى مرحلة التعليم الثانوي على أن يتم تعديل وتنقيح المناهج بما يتماشى وسرعة تطور ثقافة المجتمع. المرأة ليست سلعة تباع وتشترى ولا هي أحد ممتلكات الرجل بل هي مواطن كامل المواطنة والحقوق والواجبات وليس من الحكمة أن نضع مصير القطاع الأكبر من المواطنين في أيدي رجال منحرفين الفطرة والفكر.