ويبقي الوداد في القلوبِ قطرة غيث عذبة وصافية تنزل بالأرضِ الطيبة , فتثمر المودة والرحمة والمعروف بين البشر , وتنزل بالأرض الخبيثة فتثمر الحقد والغضب والكراهية فتُمزق اواصر المحبة بين القلوب...
عاتبوا الخيلَ فإنّها تُعب تلك الكلمة العذبة الرقراقة من جوامع الكلم للنبي صلي الله عليه وسلم بمعني أنها تقبل المُعاتبة والإصلاح , والعتابُ زهور فواحة ورياحين تتهادي بها القلوب الصافية المُحبة لدوام العشرة , والعتابُ لا يكون الإ من حبيب لحبيبه بعد إساءة عابرة , فإن المؤمن إلفُ مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ..
والخيلُ معقود في نواصيها الخير سواءً في الأجرِ والمغنم , وهي من أروع المخلوقات علي الأرضِ التي تُشبه الإنسان في الكثيرِ من السجايا والسمات, والنفسُ البشرية والخيل تًُحب الحرية والجموح بلا مضايق الحدود او سدود قاسية تُمزق شِغاف القلب , ولكن معروف عن الخيلِ العنفوان الذي يُؤدي في بعضِ الأحوال إلي العناد الشديد , مثل النفس البشرية يملؤها العزة والكرامة والعناد الشديد , وان كانت الحرية في الإنسانِ مُقيدة بشريعةِ الإسلام وفي الخيلِ مُقيدة بلجام أيدي يحدوها الرحمة يمنعها من الشرودِ والسراح في البرية ..
وكان النبي صلي الله عليه وسلم يغفر الهفوات ويستر الزلات , فكثيراً مايقول عندما يُعاتب مابالُِ اقوام يفعلون كذا وكذا دفعاً للحرج عن المخطئ وستراً له ورفقاً بالقلوب , وماعاتب صلي الله عليه وسلم علي دنيا قط الإ أن تُنتهك محارم الله تبارك وتعالي , ذاك الخُلق الراقي في حروف العتابِ الذي تتأسي القلوب بحروفهِ قولاً وعملاً حِفاظاً علي أواصرِ المحبة , ولكن قد ينكسرُ في القلبِ شئ بكمةٍ ساخرة تُقال بعفو الخاطر وتبدو لقائلها أنها الحقُِِِ والصواب , فتتنافر بها القلوب وتتباعد كأن بينهما بُعد المشرقين , لتظل بين القلوبِ صخرة قاسية لا تُنبت زهوراً بهطولِ الأمطار ولا ُينتفع بها في الحياة...
ولكن بطولِ العهد بين البشر يُتخذ العتاب سبيلاً للفراق والهجر, وقد يُصبح حظ النفس والهوي سيف الإنتصار في الإختلافِ فتُريق الروح دماء الحزن والآسي , ويعكفُ القلب في محرابِ الألم طويلاً في صحراءِ الهجر القاحلة بلا واحات , فتستقي الروح من سبيلِ النسيان وأنهاره سِقاء الراحة وجرعات الأمل حتي يرتوي ظمأها
, ثم لا تُعاود المسير في ظلال الإختلافاتِ فتلتئم الجروح والخدوش ...
سوء الظن يقتات علي القلوبِ فتتآكل المشاعر وتهترئ خيوط المودة والمحبة , ويُحول نقاء القلوب وبهائها إلي أشباح يُضنيها الفكر والغياب , وفي ذلك قالَ المتنبي إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونه , فتصبحُ النفسُ حائرةً هالكة تتجاذبها السبل وتُخايل لها الأوهام وتُمزقها التصورات المتناقضة , وبعدها يركنُ العقل إلي جدار الوحدة سيراً في سردايب مظلمة لا يتسللها شمس الأمل , وقد تكون أحزان العتاب إعترافات زائفة تُفصح عنها خائنةُ الأعينَ وشوارد الحروف , فتتوالي الخواطر مابين بين الخير والشر ويُصبح حظ النفس والهوي اصلاً تُبني عليه الأفكار والمشاعر, وفي نهايةِ مطاف المحبة والمودة يتجرع أحدهما مرارة الألم والخذلان..
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً سورة الإسراء
تلك اللفتة الندية التي تجعل الإنسان يتخير مايُقال خشية أن يُفسد الشيطان مابين البشر من مودة ومحبة , فإنه يتلمس سقطات اللسان وعثراتة فينزغ بين المرء وأخيه بالكلمة السيئة فيتلوها الرد السيئ , فيُصبح الوفاق بين القلوب مشوب بالخلاف والجفوة ثم بالعداء , وبالكلمة الطيبة تأسو جراح القلوب ويندي جفافها ويروي ظمأ الروح الكالحة , فهي أشبة بقطرات الندي وقطوف الزهر ونثر الورد في دروب الحياة , والبشر كالشجر لا تُورق ولا تُثمر الإ بحبِ غارسها وراعيها ولا تموت المحبة الإ بسوء الظن والكراهية ..