المرأة ولما تعرضت له من إساءة متكررة طوال تاريخها صارت تطلب أن توضع العربة أمام الحصان وتتوقع أن هذا الترتيب سيؤدي الغرض المنشود وهو الحركة إلى الأمام. للأسف هذا لم يحدث ولن يحدث لأن المعادلة مقلوبة. الحصان لا يستطيع دفع العربة كما أن العربة ليست مصممة لأن تدفع بل تُجر وهنا تحدث المعضلة، إذ تبقى المرأة تحاول تحريك العربة في إتجاهها دون فائدة.
الأسباب التي تجعل المرأة تفكر بهذة الطريقة بديهية ومعروفة للجميع وهي أنه قد تم تشويه فطرتها والإعتداء على حقوقها وتدمير معنوياتها حتى باتت غير قادرة على رؤية الوضع كما هو، خصوصا بعد تكون ثقافة ممتدة ومتغلغلة في المجتمع تخبرها أن ما تقوم به من تبادل الأدوار هو السليم والجيد والشرعي أيضا. لقد فسدت المرأة وفسد معها المجتمع الذي أفسدها. إنها دوامة لا نهائية تأخذ معها المرأة إلى الهاوية والرجل يتفرج مع أنه يغرق معها ولا يستطيع القيام بشيئ، لأنه هو أيضا قد تلوث حتى النخاع بالأفكار السائدة، فلا يستطيع تحرير نفسه ولا يستطيع تحرير المرأة. هذا الموضوع ثقيل في كتابته وصياغته لكن تحمّل قليلا لتتضح لك الصورة.
كل ما تعرفه المرأة عن علاقتها بالرجل وكيف تصل إليه أو تتعامل معه أو كيف تتصرف في المواقف المختلفة، يأتي بالمقلوب. تقوم هي بما يجب أن يقوم به الرجل بينما تتوقع أن على الرجل أن يقوم بما يجب عليها القيام به. حتى تعاملها مع المواقف يأتي بالمقلوب، ترضخ في وقت المقاومة وتقاوم في وقت الرضوخ وتساوم في وقت لا تنفع فيه المساومة وتتمسك برأيها في الوقت الذي يجب عليها أن تساوم. تستغرب كثيرا لماذا لا يستجيب لها الرجل؟ لماذا لا يبدأ هو؟ لماذا عليها أن تبادر؟ لماذا عليها أن تتنازل؟ لماذا يجب أن تتمسك ببعض الآراء؟ ولماذا لا تكون هناك مساواة بينها وبين الرجل؟ لذلك تبقى تدور في دوائر لا نهائية لأنها كما أسلفنا تريد أن تضع الحصان خلف العربة.
أمثلة توضيحية
١- في التعارف وبداية العلاقة: تندفع المرأة بقوة في العلاقة وكأنها النهاية الحتمية فتقدم كل ما لديها دفعة واحدة وكأن العالم سينتهي غدا. هذا يسبب لها الكثير من الألم لأنها تنغمس في الدور بشكل كامل، وعلى الجانب الآخر الرجل يتأنى ويختبر وقد يتراجع في أي لحظة عن كل شيئ لأي سبب خاص به. الصحيح هو أن تتأنى هي ولا تندفع بقوة وتسمح للرجل للدخول والخروج الآمن من العلاقة وهذا سيجعلها محطة آمنة للرجال. في هذة الحالة هي وضعت العربة قبل الحصان لأنها لم تمنح الرجل الفرصة ليندفع هو نحوها بقوة ويقوم بما قامت به. المفروض أنها تبقى ثابتة وتعتبر العلاقة غير أكيدة حتى يتحفز الرجل ويبدأ بتقديم أدلة حبه وإهتمامه وولائه لقلبها. هي لا تسمح له أن يشحن نفسه إلى درجة تؤهله للتعلق بها وإنما تفعل العكس، هي تتعلق به. لذلك إبتعد الرجال عن النساء لأن المحاولة قد تكلفهم علاقة غير ناضجة فيفضلون عدم الإقتراب من الأساس على الدخول المتسرع في علاقة قد لا تروق لهم أو لا تخدم رؤيتهم في الحياة. لو صورنا الأمر بالمغناطيس فالمفروض أن المرأة هي المغناطيس الثابت والذي ينجذب إليه الحديد المتمثل بالرجل. ما يحدث الآن هو العكس تماما وكأن الرجل هو المغناطيس الثابت الذي تنجذب إليه المرأة وتلتصق به. المعادلة مقلوبة هنا.
٢- في الزعل والخلافات: هذة من أفضل الأوقات لتقوية العلاقة وشد روابطها لو عرفت المرأة كيف تتصرف فيها؟ كل ما عليها هو الفرح عندما يحاول الرجل مراضاتها. للأسف لا تستطيع إظهار الفرح وعوضا عنه تحاول تسديد ضربات جزاء، ليس هذا وحسب وإنما تستمر في الصمت والعناد وتقول لنفسها أن عليه هو أن يعتذر. بكل بساطة هي لا تعرف كيف يعمل الرجل وتريد مجاراته في نقاط قوته أو تستخدمها ضده ولذلك غالبا ما تفشل المرأة في إنهاء الخلافات بل وعندما تعتذر فإنها بعدها مباشرة ترتكب الخطأ القاتل بأن تغير إتجاه الموضوع ليصبح ضد الرجل وهنا تخسر أكثر. الرجال لا يعتذرون للنساء لأن هذة فطرة. يعتذر يعني أنه ضعيف، لكن المرأة تريد أن تضع الحصان في مؤخرة العربة مرة أخرى. تريد التفوق بينما التفوق هو لعبة الرجل وعليها أن تجذب لا أن تتفوق. هي تعتذر وكأنها هي من أخطأ أو تتنازل عن غرورها قليلا وتهادن وحينما يبدي الرجل أدنى درجة من الرضى، عليها أن تستغل الفرصة لإظهار الفرح بتلك المناسبة فلا يكون أمام الرجل إلا الإستمرار في الرضى حتى النهاية وكأنها تسحبه منه سحبا أو تجذبه كالمغناطيس وحينها تنقلب المعادلة ويبدأ هو بمكافئتها على فرحتها. الرجل يحب أن يكافئ ويعطي للتعبير عن أسفه. إنه التشجيع الذي يحصل عليه من المرأة تماما كما تشجع الأم طفلها على رمي ورق المحارم في سلة المهملات. تفرح له وتصفق فيستمر وهو سعيد وكلما رأى ورقة محارم وضعها في السلة للحصول على المزيد من التصفيق.
٣- المساواة بين الرجل والمرأة: هنا بكل تأكيد العربة قبل الحصان. لا تريد المرأة أن تعرف أن الرجل هو الحصان وهي العربة. الحصان يجر العربة ومن الطبيعي أن يكون هو أولا. حاجاته تأتي أولا وإهتمامته تأتي أولا وراحته تأتي أولا لأنه هو الذي يجر العربة بكل أثقالها. يجب أن يشعر الرجل أنه في درجة أعلى قليلا ليتحمل المسؤلية وما تقوم به المرأة هو تحميل نفسها المسؤلية لتصبح عربة ذاتية الدفع وبما أنها مصممة ليتم جرها بواسطة حصان لا تتحرك. هكذا هو الخلق وهكذا هي الفطرة لكن هذة الأيام إنقلبت المعادلة وفقد الرجل الرغبة في تحمل المسؤلية لأن هناك من ينازعه على منصبه. الفرق كبير بين الفكرة والتطبيق لأن الفكرة قد تبدو جذابة لكنها مستحيلة التوازن والإستمرار. الرجل لن يجر العربة بنفس القوة والكفاءة ما لم يكن في الوضع المناسب وتبقى المرأة تحاول وتحاول دون فائدة فلا هي تقدمت ولا هي سمحت للرجل بجر عربتها.
كلها تراكمات إجتماعية على الرجل والمرأة بحثها والتباحث فيها من أجل العودة للفطرة فالعبارات الرنانة والأفكار المبتكرة رغم جاذبيتها في النهاية لم تنتج إلا مجتمع لا يستطيع فيه الرجل القيام بدوره وتم تحميل المرأة دورا غيردورها. فالمساواة لا تعني تشابه المهمة. للرجل مهمة وللمرأة مهمة مختلفة وإنما المساواة هي في إحترام دور ومهمة كل منهما. في الختام إن لم تتنازل المرأة عن الأنا المتضخمة وتبدأ بالعودة للفطرة ولإصلاح نفسها بنفسها سيبقى وضعها كما هو دون تغيير لأن الرجل لن يتغير قبل أن تتغير هي.