التربية على يد أم نرجسية او أب نرجسي تترك اثرا عميقا في نفس الطفل يبقى معه مدى الحياة في الغالب ان لم ينتبه ويقوم بإعادة بناء شخصيته ونفسيته من جديد بحيث يتخلص من كل الآثار النفسية التي حفرت عميقا في نفسه وحولته الى انسان غير مستقر عاطفيا وغير قادر على اتخاذ ابسط القرارات او الثبات عليها.
هنا سأذكر الاعتقادات السبعة الرئيسية التي قد يشعر بها ضحية التربية على يد نرجسي علما بأنها قد لا تظهر للعلن لكن الضحية لو بحثت في اعماقها ستجد انها تؤمن بتلك الاعتقادات السامة عن نفسها حتى لو اظهرت عكسها. يجب ان نعلم ان هذة الاعتقادات قد لا تظهر بشكل واضح خصوصا مع تطور الثقافة العامة للأفراد لكنها تبقى سرا دفينا بين الضحية وذاتها.
١- الاعتقاد أنك لا تكفي
تعتقد انك لا تكفي وانك اقل من اقرانك وزملائك وانه يجب عليك ان تحصل على التقدير وموافقة الآخرين على كل عمل تقوم به. يصبح رأي الاخرين فيك وفي اعمالك مهم جدا بحيث تسعى له بشدة من اجل ان تشعر بأنك تكفي. حتى هذا لا تصدقه في الحال وتبقى تطلب المزيد من الموافقات والتقدير على اعمالك ومظهرك وكلامك وكل ما يمثلك امام الاخرين.
٢- تعتقد أنك مسؤل عن سعادة الآخرين
تعتقد ان عملك الأساسي هو اسعاد الآخرين وتقديمهم على نفسك. ستجد نفسك تسعى لتقديم خدمات اضافية لتسعد من حولك وقد تدفع المال وتتحمل اعباء كثيرة لتتأكد انك اسعدت من تتعامل معه. هذا الاعتقاد بعد فترة يرهقك ويجعلك تنفر من الناس وتنفر من تقديم المساعدة لأنك حينها تعتبر اي علاقة هي مسؤلية اضافية عليك.
٣- تشعر ان مشاعرك غيرمهمة
الأم او الأب النرجسي يلجأ الى السخرية من مشاعر طفله ويعاتبه على الشعور الجيد بل ويسعى الى جعله يشعر بالدونية فهذا يجعلك تتوقع ان مشاعرك غير مهمة لأن تجربتك تقول انك كلما شعرت شعور جيد يتم تدميرك نفسيا. ايضا النرجسي لا يمكن ان يطبطب على طفله او يدعمه عندما تتدنى مشاعره. هذا يجعلك تميل الى الدراما في حياتك وتحويل اي لحظة سعادة الى دراما وحزن ولا تستطيع الاحتفاظ بمشاعر ايجابية لفترة ممتدة وكأن هناك شيئ يقول لك هيا دمر اللحظة فمشاعرك ليست مهمة وبكل تأكيد سيأتي من يدمرها فالأفضل ان تدمرها انت بيدك. يصبح التدمير الذاتي لأي لحظة حلوة مهنتك المفضلة.
٤- أنت عبئ على الآخرين
وبما انك تشعر بأنك عبئ على الآخرين فهذا يجعلك تسعى بقوة الى اثبات نفسك واستقلالك وعدم حاجتك لهم وكأن حاجتك للناس عار عليك. لذلك تسعى الى الاعتماد على نفسك في كل شيئ وترفض ان يكون للآخرين اي دور في حياتك وان لا يكون لأي انسان فضل عليك في محاولة لأن لا تثقل على الناس بمتطلباتك حتى لو كانت ضمن الطبيعي من التعاملات بين البشر.
٥- يجب ان تخفي مشاعرك
لا احد يعرف مشاعرك الحقيقية ولا يمكن ان تظهرها للآخرين وتفضل التعاملات السطحية الخالية من اي شعور. لذلك تحاول ان تظهر بمظهر جيد وبمظهر الذي لا يعاني من اي مشاكل ولا يواجه اي عقبات. تسعى بشدة لإخفاء كل اخفاقاتك في الحياة وبذلك لا تضطر الى اظهار مشاعرك الحقيقية او ضعفك كنوع من الحماية. كان يتم معاقبتك بشدة على اظهار مشاعرك سواء فرح او حزن وعلى ذلك اصبحت حياتك كلها تمثيل واختلط عليك شعورك الحقيقي بالشعور البديل.
٦- لا تستحق ما تحصل عليه
اي شيئ تحصل عليه تشعر انه كثير عليك وانك لا تستحقه وبالتالي قد تفقده في اي لحظة. هذا ما تربيت عليه. اي شيئ تحصل عليه يتم عتابك ومعاقبتك واستجوابك بشدة وكأنك سرقته. الآن صار كل ما تحصل عليه على الأرجح ستفقده وبما انك ستفقده فالأفضل عمل اي شيئ لتدميره وهذا يجعلك تبدأ عمل وعندما تجد انك تقدمت فيه فجأة تفقد الرغبة في الاستمرار وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقات فأنت تعتقد انك لا تستحق السعادة التي ستحصل عليها او لا تستحق النتيجة النجاح. حياتك هروب متواصل.
٧- لا تثق في قراراتك
المحصلة النهائية لكل ذلك انك صرت لا تثق في اي قرار من قراراتك. تراجع نفسك وتشكك في قراراتك وتسعى للكمال دائما لأن الوصول للكمال مستحيل وبهذا لا تضطر الى الثبات على قرار واحد. كل قرار يحتاج منك جهد بالغ ولا تتخذ اي قرار الا مضطرا وليس عن قناعة تامة لأنك سرعان ما تفقد قناعتك وثقتك بالقرار الذي اتخذته من لحظات.
الخلاصة
ضحية تربية النرجسي لا تعاني من هذة الاختلالات وحسب وانما فيما بعد تمارسها وقد تتفوق فيها دون ادراك كامل لأصل المشكلة. تصاب الضحية بإضطراب وتشويش بين ما تعرفه بالعقل والمنطق وبين ما تشعر به فعلا. يجب ان نلاحظ الفرق بين النرجسي وضحية النرجسي رغم انهما قد تشتركان في كثير من السلوكيات السامة وهي ان ضحية النرجسي عادة تبحث عن علاج وهذا بعكس النرجسي الصرف الذي لا يبحث عن علاج وانما ينكر حاجته له لأنه يعتقد انه سليم معافى. اذا يجب ان ننتبه الى هذة الخصلة. الضحية التي تعرضت للأذى وهي مازالت لم تفقد ذاتها وتستسلم لظلام النفس تسعى لإصلاح ذاتها والبحث عن حلول من اجل العودة للحياة الطبيعية. هذا يتطلب جرأة كبيرة وتنازل أكبر عن الإيغو من اجل الاعتراف بوجود المشكلة استعدادا للتعامل معها كما ينبغي.
في الغالب لا تستطيع الضحية مساعدة نفسها بشكل كامل وقد تحتاج الى تدخل صديق متفهم او معالج خبير يأخذ بيدها الى بر الأمان. ليس الكل نرجسي وان بدت عليه كل علامات النرجسية فلنتوقف عن اطلاق الاحكام على الناس دون تثبت. المقياس هو هل الشخص مستعد لتلقي العلاج ومساعدة نفسه ام لا؟ هذا ايضا رهن بإستعداده النفسي اذ لا نستطيع اجبار انسان على العلاج ان لم يكن مستعدا وعلينا الانتظار وتفهم الوضع. ستلاحظ ان الضحية لديها تفهم ويمكنها تقبل نوع من النقد والتوجيه وهذا بعكس النرجسي الذي يتفاقم وضعه عند تقديم اي نصح او توجيه فيستميت في الدفاع عن نفسه.