التخدير مادة تدخل الى الجسد لتوقف الشعور بالألم لوقت محدد بينما الألم يسري براحته داخل جسدك دون توقف بل يتمدد و يتسع ليصل الى الجسد كله و الى النفس ..
ذلك ما يفعله العرب من سنوات طويلة جداً .. فبدلا من استئصال الألم من جذوره قاموا بتخديره فأصبح التخدير عادة بل برمجة ثابتة تورث من جيل الى جيل .او قبول هذا الألم و التعامل معه على أنه حقيقة لا بد من وجودها و التعامل معها ..
كان هذا الفعل على مستوى الدولة فمهما يحدث من أحداث تهين الوجود و الكرامة .تقوم العروبة بالشجب و الاستنكار على أعلى هيئة في الدوله و إن كبرت يعقد اجتماع طاريء للدول العربية يحضر بيانه الختامي من الخارج ليتلى على باقي المخدرين من الشعب .
تمددت الألالم و طالت جذور الانسان العربي حتى سقطت قيمة الانسان في مجتمعاتنا سقوطا كاملا . فدعاة الموت والجهاد لم يبقى وتر لم يعزفوه حتى يقودوا الناس للموت وهي مخدرة لا تعرف ماذا تفعل بأنفسها الهالكة محاولة منهم لإرضاء انفسهم وللقضاء على ذلك الشعور المؤلم الخفي الذي حجب عنهم بالتخدير فوجدوا الموت معبراً ممتازا عن كل ما يعانون منه فوجدوا لهم باب الجهاد من اجل الله و الوطن و هم يترنحون في المطاعم والمقاهي يبحثون علن الجنس في السر و يهتفون للقدس في العلن .. هاتفين حي على الصلاه حي على الجهاد ..
و بعلم يقيني أن بحورا من البشر الجاهليين و المخدريين لن تلغي قرار قوى عظمى و مخططات تعب أصحابها في وضعها و التحضير لها لسنين طويلة .. علماء و مفكرون و ساسة وقادة و رجال اعمال وشركات الاسلحة وتجارها و تجار البشر و الادوية و الابحاث و القراءة و التعلم الدئوب و القمر والمريخ والفضاء و علوم الكون و الجيوش الألية و الربوتات ..ليخرج مواطن مخدر يهتف بشعار او يضع بوست بالروح بالدم نفديك يا قدس ..يا فلسطين .. حركوا الانتفاضة ,, أسقطوا السلطة .. ووو حتى نعيد الأقصى و الاراضي المحتلة .. و الكرامة المسلوبة والوطن الضائع ..
اعتقد أن الأغلب قد استفاق من تخديره دون أن يعلن يقظته فقد شرب الناس كافيين الدم و الدمار والفشل و العار على كل المستويات الفردية والدولية مما يجعل الميت مستيقظاً . ولكن دور المخدر اليقظ دور جميل ففيه يعيش دور الضحية البطل الذي يحاول فعل شيء ولكنه عاجز لا يستطيع فيهتف و يوحد الصور ..ليرتاح و يرضي ضميره فقد فعل ما عليه بل و ينبه الجميع تذكروا هذا اليوم الأليم . يوم " اعلان ترامب للقدس عاصمة لإسرائيل ".
ترى هل هناك قداسة لشيء بعد سقوط قداسة الانسان لنفسه و قداسة الإنسان للإنسان ..هل الحجارة أغلى ثمناً و منزلة من الانسان عند خالقها .. كونوا صادقين هذا الإعلان سيريح الكثيرون جداً من هذا العبء الوهمي الثقيل من على أكتافهم بأكذوبة القدسية ول ننهي ما تبقى عندنا من مقدسات ليكن آخر السقوط و نستريح .
نتذكر أي يوم : يوم سقط الكتاب و قرائته من عقولنا
يوم سقطت الاخلاق من قلوبنا
يوم سقطت فلسطين في 48 و هجر مليون شخص الى الشتات
يوم حرب لبنان الاهلية . و مجزرة قانا اليهودية
يوم سقطت العراق وليبيا واليمن
يوم دمرت سوريا
ام يوم واقعة الجمل يوم قتل عثمان وقتل علي و يوم دخول المغول و حرق مكاتبنا
أم بالامس قتلا مسجد سيناء ..
أي يوم بالضبط نتذكر يا بلاد الشام .. و بالذكرى يبقى الألم و بالأم لا بده له من التخدير مجدداً ..
بل نسينيا .. و سننسى ..وسنستمر بالنسيان .. و سنتذكر ما تبقى لنا من حياه لعلنا بتغير ما بأنفسنا يحدث الله بعد ذلك أمرا ..
هذا الدور التائه البارع في التمثيل يشكل عبئاً كبيراً على التقدم .. فمن جهة هو يدعي التخدير و العجز و من جهة أخرى يحلم بالقتل و الدمار و الانتقام و اللعنة على كل من كان السبب في ذلك و لا يعلم انه أول المتسببين . يرسل المزيد من طاقة القتل و الخراب بجهله و فشله في العيش على المستوى الشخصي و بؤسه الذي لم يستطع التعامل معه و اكتفى بتخديره من حين الى آخر ..فيعيش الدمار الذاتي كل يوم ولا يقدم شيء لنفسه او لغيره ..
ليس المطلوب من أحد القتال فقد أعلنت الحروب أوزارها فيمن هو المنتصر .. فقد انتصر العلم على الدين والعلمانية على المساجد والكنائس و انتصرت الابحاث والقراءة على الجهل والموروث وانتصر الفضاء على الارض والربوتات على البشر .. فماذا بقي .
بقي أن تستنير لنفسك وتضيء ما بقي فيها من مصابيح .. أن تعيد التركيز الى نفسك وتجد بوصلتك الداخلية كي تعيش حياة حياً و ليس حياً ميتاً ..لا فائدة ترجى منك لا بحرب ولا سلام لا بقبول و لا استسلام ..
كل ما يحدث الآن علينا تقبله أمراً واقعاً قد كان و انتهى ومن يقاومه كالفأر الذي يقاوم السبع . وتلك الايام نداولها بين الناس وهذه الأيام علينا وليست لنا فيجب أن نتقبل هذه الحقيقة وننشغل بترميم انفسنا من الداخل وايقاظ عقولنا بالعلم والتنوير والتقدم الذاتي و تقبل الجميع بحب وسلام و صدق .. فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. هذه الأية لم يعي الكثيرون معناها ..
أنت : عليك تغيير نفسك
الله : عليه تغيير الواقع .. كيف لا شأن لك .. عليكم أنفسكم وكفى .. استير و عش حياتك صح و اترك بصمتك الخاصة في هذه الدنيا .. ودع المخدرين فتلك بصمتهم الفانية ..
عيشها صح
غادة حمد