درسونا في علم الأحياء، أن الفراشة حتى يكتمل نموها تمر من ثلاث مراحل : مرحلة اليرقة، مرحلة الشرنقة، مرحلة الفراشة.
• مرحلة اليرقة : تخرج اليرقات من البيوض و تتغذّى على أوراق شجرة التوت حتى يكتمل نموها.
• مرحلة الشرنقة : هي عبارة عن المرحلة الانتقاليّة التي تصبح فيها اليرقة فراشة.
• مرحلة الفراشة : الخروج من الشرنقة و الإنطلاق على شكل فراشة جميلة و ملونة و طائرة و مستقلة.
نمو الإنسان مختلف عن نمو اليرقة، فالإنسان يُخلق فراشة (إن خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ثم يصبح يرقة (ثم رددناه أسفل سافلين) ثم يتجه إلى الشرنقة (مرحلة العودة إلى الإيمان و العمل الصالح) و عندما يعود الإيمان و العمل الصالح بشكل سليم يصبح الإنسان فراشة من جديد (أحسن تقويم).
في بداية حياتك تكون عبارة عن صفحة بيضاء خالية من كل التعقيدات أي تكون عبارة عن فراشة، و لكن سرعان ما تصبح يرقة، و هذا بسبب المجتمع و التربية و الهوى الذي بنيت عليه حياتك، فتبدأ تخلد إلى الأرض و تتبع هواك، حركتك تتباطئ، جسمك يمرض، تصبح سريع الغضب و قليل الصبر، غير قادر على الإستمتاع، لا تنصت جيدا، لا ترى بوضوح، ضعيف، غير قادر على التعبير، خائف، عاجز على تغيير حياتك، تحب المال كثيرا، تتكلم في مواضيع تافهة، حياتك مملة و ما تفعله هذه السنة تعيده السنة المقبلة، نفس الكلام، نفس المشاكل، نفس الأمراض، نفس الأخطاء، نفس العلاقات، تفسد في الأرض، و قد يصل بك الحال أن تسفك الدماء أو تنتحر أو تجن ما دمت لم تتعالج من أهوائك و أهواء مجتمعك ....
فما هو الحل؟ كيف تعود فراشة؟ كيف تنمو من جديد؟ كيف تنطلق؟ كيف تشفى؟ كيف ترى و تسمع بوضوح؟ كيف تستوعب بسرعة؟ كيف تطير من الأرض و تدرك السماء؟ كيف تعيش مع الله؟ كيف تستفيد من الملائكة؟ كيف تشعر بالآخرة؟ كيف تحيا حياة طيبة؟
الحل بسيط، فكل الحلول موجودة الآن و بنفس درجة القوة و مهما اختلفت الظروف.
الحل هو الإعتزال.
إعتزل ما يعبده المجتمع، المجتمع مستعجل لا تستعجل، المجتمع خائف لا تخف، المجتمع متعلق بالمال و الزواج و الوظيفة و السيارة و السفر لا تتعلّق، المجتمع مغرور فكن أنت واسع، المجتمع يحب الكلام الفارغ فابحث عن الكلام النافع، المجتمع لا يريد أن يطور فكره و مشاعره و حركته طوِّر أنت فكرك و مشاعرك و حركتك.
اتجه إلى الشرنقة (إيمانك و عملك الصالح)، و اجلس مع نفسك قليلا، ابدأ بتقوية علاقتك مع الله، تعرف على الله، عظم الله في قلبك، أقدر الله حق قدره، عندما ستؤمن بالله إيمانا خالصا عندها كل الأمراض التي زرعتها في نفسك و زرعها المجتمع فيك، كل هذه الأمراض ستختفي و ستدرك قوتك الحقيقية بإذن الله، ستدرك الروح بإذن الله، و الروح سيعلمك كل شيء، الروح سيجعلك تتحول من يرقة إلى فراشة في لمح البصر.
جميل أن تصبح فراشة، فراشة مستقلة، غنية، جميلة، متمكنة، منطلقة، واعية، متعلمة، مصلحة، مسالمة، قوية، عزيزة، مؤمنة، صابرة، صادقة، متصدقة، متواضعة ... إلخ من الصفات الجميلة التي يتجمل بها الإنسان الفراشة.
مشكلة الإنسان أنه قد يمر من فراشة إلى يرقة بين ليلة و ضحاها، فالإنسان كائن متقلب، لهذا عليك دائما أن تراجع الشرنقة (إيمانك و عملك الصالح) حتى تبقى فراشة طيلة حياتك أو تدرك على الأقل أنك أصبحت يرقة و أنه وجب إصلاح نفسك من جديد.
فلا تمت و أنت يرقة، بل مت و أنت فراشة، هذا أحسن لك و لغيرك.
الفراشة جميلة حتى بعد موتها تترك علما و نورا و عملا يحول اليرقات إلى فراشات.
اليرقة لا تصنع إلا يرقات بئيسة و حزينة و خائفة و مجرمة مثلها.
لا تخف من اليرقات من حولك و اتجه إلى شرنقتك و دعنا نرى الفراشة الجميلة التي صنعتها بإيمانك و عملك الصالح.
⁉سؤال : ما فائدة هذا المقال؟
هذا المقال مفيد جدا، أنا شخصيا استفدت منه.
لقد علمني هذا المقال أنه إن أصبحت فراشة سأصبح محمي بشكل كامل من اليرقات المنتشرة في الأرض.
علمني أيضا أنني أستطيع التأثير على اليرقات الأرضية و تحويلها إلى فراشات سماوية، و كلما زادت الفراشات و كلما أصبحت الحياة في الأرض أجمل و أوسع و أصلح و أيسر.
و تعلمت أيضا أن الفراشات وجب عليهم أن لا يغتروا بكونهم فراشات، فالذي جعلك فراشة قادر أن يعيدك يرقة، لهذا لا تتَّهِم الناس بأنهم يرقات، بل تذكر أنك في يوم من الأيام كنت يرقة فمنَّ الله عليك فأصبحت فراشة.
✔ يقول الله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"
- ملحوظة أخيرة إلى فراشات العالم :
أن تكون فراشة هذا الأمر يمكنك أن تحققه في بيتك و أنت جالس في ظلمة الليل، فالله يمنُّ عليك بنعمة التحول في لحظة لا يعلم الناس عليها شيئا.
كونك تحولت إلى فراشة فهذا لا يعني أنك أصبحت جاهز لتغيير العالم بين الليلة و ضحاها، عليك أولا أن تستوعب هذه المرحلة الجديدة من حياتك جيدا، فأنت الآن تخلصت من كل المعلومات الخاطئة و التعلقات و الشهوات و بدأت طريق الإخلاص لله عز وجل.
طريق الإخلاص جميل جدا، لأن هذا الطريق كله يسر و سلام و اطمئنان، فلا تتوقع أن يتقبل الناس هذه المرحلة من حياتك، ففي الغالب سيتم اتهامك بالجنون و الغباء، و سيستهزؤون بك، و سيقللون من قيمتك، كل ما عليك أن تفعله في هذه المرحلة هو أن تحافظ على إيمانك و اخلاصك و اجتهادك و صبرك و اصلاحك و إحسانك و حسن ظنك، و مع المدة سينقلب المستهزئين إلى مشجعين، و المشككين إلى متسائلين، لا تخف ما هي إلا مدة قصيرة (7 سنين غالبا) و يشع نورك في جميع أرجاء الأرض و يصبح لك مكانا راسخا لا يزعزعه أحد.
يا أيها الفراشات، إن وعد الله حق، الله سيخرجكم من الظلمات إلى النور، الله سيتم نعمته عليكم، الله سيجعل لكم مخرجا، الله سيرزقكم من حيث لا تحتسبون، الله سيجعل لكم من أمركم يسرا، الله سيحييكم حياة طيبة، فلا تخافوا و لا تحزنوا فالله معكم، و الله أكبر.