المجرم الأول في حياتك

»  المجرم الأول في حياتك
مدة القراءة: 3 دقائق

يعيش الإنسان حياته بشكل طبيعي ويمارس نشاطاته اليومية بما تحمله من فرح وتعاسة و بهجة وانقباض. يتخذ قرارات كثيرة متناثرة هنا وهناك، احيانا ينجح واحيانا يخسر. تمضي الأيام ومعها يمضي العمر وهو يعتقد أن الحياة هي كما عرفها. الأشخاص الذين يعانون من صعوبات نفسية أو مزاج متعكر وحظ عاثر وفشل متلاحق يعتقدون ان الله غاضب منهم او ان الحياة غير عادلة. بعضهم يفسر الأمر على أنه مؤامرة او أي شيء مصدره الناس او الغرباء او الحكومة او المجتمع.

لكن لو نظر الإنسان بشيء من التروي لإكتشف سر تعاسته وإنكساره وهزيمته. سيعرف ان المجرم الأول في حياته وبلا منازع هو ابوه أو والديه. هنا سأستخدم الأب أو الوالد لأشير لكلا الوالدين من أجل سهولة السرد.

وأنت طفل صغير لا تفقه من الحياة شيئا تعتمد إعتماد كلي على والديك وهما يقومات بتهيئتك للحياة والتعامل مع الآخرين. هذة التهيئة مهما كانت سواء صحيحة او خاطئة فهي تهيئة ومنها ستنبثق كل قراراتك التي تدير بها حياتك حتى وإن كنت لا تعي ما تفعل. كل شيء هو نتاج للتربية التي تربيت عليها والنشئة التي نشأتها فلا مجال لديك للخروج من هذة المنظومة بقواك الذاتية لأنك لست في مرحلة تسمح لك بهذا الأمر.

تستمر في إكتساب المعرفة والمشاعر والسلوك من أبيك. هو يخبرك بكل شيء وهو يلقنك كل شيء وهو يزرع فيك كل شيء. الأمر لا يتعلق بالذكاء أو الغباء وإنما هو أمر لا يد لك فيه. حتى الأشياء التي لا يتم تلقينها لك صراحتاً أنت تتلقاها بالتقليد والمحاكاة. هكذا تتشكل شخصيتك ومعها يتشكل عالمك والذي قد يكون بائسا تماما وهذا هو إنتاج ابوك بنسة مئة في المئة.

ابوك إما يرفعك أو يهوي بك. هو يرتكب الجريمة الأولى في حياتك ولكنك لا تستطيع ربطه بها لأنه يحبك على حسب زعمه. هو يعملك ان تخاف من المجتمع لأنه جبان، هو يعلمك ان تدخل عمك وبقية أفراد العائلة في حياتك يعد أمرا طبيعيا تماما ولا يجب أن تعترض. ابوك هو الذي قبل أن أخوك الكبير يستحوذ على كل شيء. ابوك هو الذي أهان أمك وإستعبدها فربتك تربية رخوة. ابوك هو الذي تسبب في تدمير نفسيتك بإستبداده في البيت او بخنوعه لأمك.

أنت مجرد نسخة رديئة جدا من إنتاج الثنائي المهزوز أمك وابوك. لا تتهم الآخرين الأبعد عنك. لم يتدخل أحد من الجيران في تربيتك. وزير الصحة لم يأمرك بالخوف من المجتمع ولم يصوره لك على أنه بعبع. كان بإمكان ابيك ان يكون عادلا ومنصفا معك ومع إخوتك واخواتك، كان بإمكانه أن يقول لك إنطلق يا إبني وعش حياتك ولا تلتفت لكلام الناس، كان بإمكانه أن لا يسمح لجدتك بالتدخل في قراراتك. كان يستطيع صنع الكثير من أجلك ولكنه لم يفعل. كان يستطيع تحريرك من القيود وأن يدعمك ويشجعك ويؤازرك ولكنه لم يفعل أو قد يكون هو المجرم الذي ارغمك على الخنوع والإنكسار وقام بزرع الخوف في نفسك.

النتيجة انك كبرت فوجدت نفسك في وضع لا تحسد عليه بل وقد تكرر نفس جريمته مع اولادك. نفسيتك مرهقة وشخصيتك مترنحة ووارث جيد للفشل. ما تعيشه هو تماما ما زرعه ابوك فيك. أنت لست أنت. ستقول ولكن ما السبيل إلى الخروج من كل هذا؟ كيف أستطيع العودة إلى نفسي؟ واقول لك هذا هو واجبك نحو نفسك. أنت لم تولد فاشلا ولكن الجريمة الكبرى تقع على عاتق ابيك.

لا تستطيع اعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولكن بكل تأكيد تستطيع صناعة مستقبل جديد. لا تستطيع محاكمة ابوك ولكن تستطيع ان تغفر له وتتقدم في حياتك. لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب ولا منفعة ترتجى ممن تسبب في الأذي ربما دون قصد. قد يكون هو أيضا ضحية جدك الذي هو ضحية ابوه وهكذا إلى اجيال كثيرة سابقة، لكن تستطيع أنت إيقاف هذا كله بقرار منك.

لن يكون القرار سهلا وقد تحتاج إلى علاج متخصص للخروج من الحالة ولكن هذا هو اقل شيء تستطيع القيام به من أجل إنقاذ نفسك وعائلتك والأجيال القادمة من نفس المصير المحتوم. الجيد في الأمر أنك عندما تفعل سترى انك لم تساعد نفسك فقط وانما أثرت تأثيرا إيجابيا في إخوتك وجميع أفراد العائلة. هم أيضا سيعودون إلى رشدهم او أن صلاح أمرك سيخفف عليهم من الضغط الذي يشعرون به فيساهم في تحريرهم الواحد تلو الآخر.

عندما تساعد نفسك فأنت تساعد كل أفراد عائلتك. هذا ليس مقال لشرح تقنيات التحرر والتخلص من المشاعر السلبية والمعتقدات المثبطة ولكنه إشارة لك لتبدأ البحث عن أفضل طريقة لإنقاذ نفسك. رغم كل مشاعر الذنب التي قد تشعر بها تجاه ابيك والقوة العنيفة التي تجرك نحو الأسفل أنت مازلت قادرا على إنقاذ نفسك وتحريرها لتعيش أسطورتك أنت.

ستتمكن من التنفس بعمق عندما تعود إلى طبيعتك وتمارس حياتك لا حياة شخص آخر. هذا هو سبب كل ما تعانيه الآن. جريمة أقترفت في حقك دون علمك أو علم الجاني فكن رحيما بنفسك وإتخذ القرار بالعودة إلى الحياة.

  • أفضل منصة تداول
  • مقالاتي المفضلة

    • لم يعثر على أي تفضيلات
  • تعلّم الإنجليزية بسرعة

    تعلّم الإنجليزية بسرعة

  • شبكة أبرك للسلام - جميع الحقوق محفوظة
    Developed by WiderSite

    المجرم الأول في حياتك

    مدة القراءة: 3 دقائق

    يعيش الإنسان حياته بشكل طبيعي ويمارس نشاطاته اليومية بما تحمله من فرح وتعاسة و بهجة وانقباض. يتخذ قرارات كثيرة متناثرة هنا وهناك، احيانا ينجح واحيانا يخسر. تمضي الأيام ومعها يمضي العمر وهو يعتقد أن الحياة هي كما عرفها. الأشخاص الذين يعانون من صعوبات نفسية أو مزاج متعكر وحظ عاثر وفشل متلاحق يعتقدون ان الله غاضب منهم او ان الحياة غير عادلة. بعضهم يفسر الأمر على أنه مؤامرة او أي شيء مصدره الناس او الغرباء او الحكومة او المجتمع.

    لكن لو نظر الإنسان بشيء من التروي لإكتشف سر تعاسته وإنكساره وهزيمته. سيعرف ان المجرم الأول في حياته وبلا منازع هو ابوه أو والديه. هنا سأستخدم الأب أو الوالد لأشير لكلا الوالدين من أجل سهولة السرد.

    وأنت طفل صغير لا تفقه من الحياة شيئا تعتمد إعتماد كلي على والديك وهما يقومات بتهيئتك للحياة والتعامل مع الآخرين. هذة التهيئة مهما كانت سواء صحيحة او خاطئة فهي تهيئة ومنها ستنبثق كل قراراتك التي تدير بها حياتك حتى وإن كنت لا تعي ما تفعل. كل شيء هو نتاج للتربية التي تربيت عليها والنشئة التي نشأتها فلا مجال لديك للخروج من هذة المنظومة بقواك الذاتية لأنك لست في مرحلة تسمح لك بهذا الأمر.

    تستمر في إكتساب المعرفة والمشاعر والسلوك من أبيك. هو يخبرك بكل شيء وهو يلقنك كل شيء وهو يزرع فيك كل شيء. الأمر لا يتعلق بالذكاء أو الغباء وإنما هو أمر لا يد لك فيه. حتى الأشياء التي لا يتم تلقينها لك صراحتاً أنت تتلقاها بالتقليد والمحاكاة. هكذا تتشكل شخصيتك ومعها يتشكل عالمك والذي قد يكون بائسا تماما وهذا هو إنتاج ابوك بنسة مئة في المئة.

    ابوك إما يرفعك أو يهوي بك. هو يرتكب الجريمة الأولى في حياتك ولكنك لا تستطيع ربطه بها لأنه يحبك على حسب زعمه. هو يعملك ان تخاف من المجتمع لأنه جبان، هو يعلمك ان تدخل عمك وبقية أفراد العائلة في حياتك يعد أمرا طبيعيا تماما ولا يجب أن تعترض. ابوك هو الذي قبل أن أخوك الكبير يستحوذ على كل شيء. ابوك هو الذي أهان أمك وإستعبدها فربتك تربية رخوة. ابوك هو الذي تسبب في تدمير نفسيتك بإستبداده في البيت او بخنوعه لأمك.

    أنت مجرد نسخة رديئة جدا من إنتاج الثنائي المهزوز أمك وابوك. لا تتهم الآخرين الأبعد عنك. لم يتدخل أحد من الجيران في تربيتك. وزير الصحة لم يأمرك بالخوف من المجتمع ولم يصوره لك على أنه بعبع. كان بإمكان ابيك ان يكون عادلا ومنصفا معك ومع إخوتك واخواتك، كان بإمكانه أن يقول لك إنطلق يا إبني وعش حياتك ولا تلتفت لكلام الناس، كان بإمكانه أن لا يسمح لجدتك بالتدخل في قراراتك. كان يستطيع صنع الكثير من أجلك ولكنه لم يفعل. كان يستطيع تحريرك من القيود وأن يدعمك ويشجعك ويؤازرك ولكنه لم يفعل أو قد يكون هو المجرم الذي ارغمك على الخنوع والإنكسار وقام بزرع الخوف في نفسك.

    النتيجة انك كبرت فوجدت نفسك في وضع لا تحسد عليه بل وقد تكرر نفس جريمته مع اولادك. نفسيتك مرهقة وشخصيتك مترنحة ووارث جيد للفشل. ما تعيشه هو تماما ما زرعه ابوك فيك. أنت لست أنت. ستقول ولكن ما السبيل إلى الخروج من كل هذا؟ كيف أستطيع العودة إلى نفسي؟ واقول لك هذا هو واجبك نحو نفسك. أنت لم تولد فاشلا ولكن الجريمة الكبرى تقع على عاتق ابيك.

    لا تستطيع اعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولكن بكل تأكيد تستطيع صناعة مستقبل جديد. لا تستطيع محاكمة ابوك ولكن تستطيع ان تغفر له وتتقدم في حياتك. لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب ولا منفعة ترتجى ممن تسبب في الأذي ربما دون قصد. قد يكون هو أيضا ضحية جدك الذي هو ضحية ابوه وهكذا إلى اجيال كثيرة سابقة، لكن تستطيع أنت إيقاف هذا كله بقرار منك.

    لن يكون القرار سهلا وقد تحتاج إلى علاج متخصص للخروج من الحالة ولكن هذا هو اقل شيء تستطيع القيام به من أجل إنقاذ نفسك وعائلتك والأجيال القادمة من نفس المصير المحتوم. الجيد في الأمر أنك عندما تفعل سترى انك لم تساعد نفسك فقط وانما أثرت تأثيرا إيجابيا في إخوتك وجميع أفراد العائلة. هم أيضا سيعودون إلى رشدهم او أن صلاح أمرك سيخفف عليهم من الضغط الذي يشعرون به فيساهم في تحريرهم الواحد تلو الآخر.

    عندما تساعد نفسك فأنت تساعد كل أفراد عائلتك. هذا ليس مقال لشرح تقنيات التحرر والتخلص من المشاعر السلبية والمعتقدات المثبطة ولكنه إشارة لك لتبدأ البحث عن أفضل طريقة لإنقاذ نفسك. رغم كل مشاعر الذنب التي قد تشعر بها تجاه ابيك والقوة العنيفة التي تجرك نحو الأسفل أنت مازلت قادرا على إنقاذ نفسك وتحريرها لتعيش أسطورتك أنت.

    ستتمكن من التنفس بعمق عندما تعود إلى طبيعتك وتمارس حياتك لا حياة شخص آخر. هذا هو سبب كل ما تعانيه الآن. جريمة أقترفت في حقك دون علمك أو علم الجاني فكن رحيما بنفسك وإتخذ القرار بالعودة إلى الحياة.

    رأيك مهم، شارك بفكرة تثري تجربة الآخرين